الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
162 - رقم الاستشارة : 2266
03/08/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يعلم الله أنني أحبك في الله يا دكتورة أميمة، وأستفيد من حضرتك كثيرًا وأحب هذه البوابة وأفضلها جدًّا..
أنا معلمة جديدة بدأت عملي منذ أيام في إحدى الحضانات الخاصة، وقد تم تكليفي بالإشراف الكامل على فصل يضم مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين ٣ إلى ٤ سنوات.
بصراحة، أشعر بمسؤولية كبيرة وأريد أن أؤدي دوري التربوي بما يُرضي الله، خاصة أن هذه المرحلة مهمة جدًّا في تشكيل شخصية الطفل الأولى وغرس القيم فيه.
مشكلتي أنني ما زلت أتعلم كيف أتعامل معهم بطريقة تربوية صحيحة، توازن بين الحزم والرحمة، وبين اللعب والتعليم، دون أن أظلم أي طفل أو أقسو عليه دون قصد، ودون أن أفرط في التدليل أيضًا.
كما أنني لاحظت أن هناك تباينًا في طرق تعامل باقي المعلمات المتخصصات (مثل معلمة اللغة، ومعلمة المهارات، ومعلمة القرآن)، وبعضهن يفتقدن الحس التربوي أو يستخدمن أساليب تقليدية قد تكون قاسية أحيانًا أو غير مناسبة لمرحلتهم.
سؤالي هو:
كيف أضع أسسًا تربوية إيمانية في التعامل اليومي معهم؟
كيف أُوجّه باقي المعلمات لتطبيق أساليب تربوية سليمة دون أن أتدخل بشكل يُحرجهن أو يسيء للعلاقة بيننا؟
ما المبادئ أو القيم الأساسية التي يجب غرسها في الأطفال في هذه السن؟
أرشديني من فضلك يا دكتورة أميمة، فأنا أريد أن أكون معلمة يُرضى الله عنها، ويكتب لي في كل طفل علّمتُه أجرًا وثوابًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. بداية، أحبك الله الذي أحببتني فيه، وتشرفني متابعتك لي ولبوابة الاستشارات الإلكترونية لمجلة المجتمع، فمرحبًا بك معنا يا غالية..
وما أسعدني حقًّا أيتها المعلمة الفاضلة، هو حرصك النبيل على أن يكون عملك في الحضانة عبادةً تؤدينها بنية خالصة لله، وهذا هو أول طريق التربية الناجحة؛ أن نبدأها من باب التقوى والنية الطيبة، قال رسول الله ﷺ: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه".
وإليك -يا ابنتي المباركة- خطوات منهجية وعلمية تساعدك على بناء بيئة تربوية سليمة لأطفالك، وتعاملك الحكيم مع زميلاتك:
أولًا: كيف تتعاملين مع الأطفال يوميًّا بشكل تربوي يرضي الله:
1- لا بد من فهم خصائص المرحلة العمرية (٣ – ٤ سنوات):
في هذا العمر، الطفل يكون في بداية تكوّن self-concept مفهوم الذات، ويحتاج إلى بيئة آمنة emotionally safe environment، مليئة بالحب، اللعب، والحوار البسيط.
2- المهم معهم أن تركزي على التربية بالقيم قبل المعلومات:
القيم، مثل: الأمانة، المشاركة، النظام، النظافة، تبدأ بزرعها بسلوكك قبل لسانك؛ فالتعلم عند الطفل في هذه السن يعتمد على modeling أي التقليد..
قال الإمام الغزالي: "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش فيه ومائل إلى كل ما يمال به إليه"، وأنت هنا بديل عن والديه لعدد من الساعات اليومية.
3- استخدمي معهم أسلوب التعليم التفاعلي Play-Based Learning
بمعنى ألا تفرضي عليهم الحفظ أو الجلوس لفترات طويلة، بل اجعلي كل قيمة أو مفهوم تربوي يُقدَّم من خلال نشاط حركي، أو حكاية، أو أنشودة.
4- عليك أن تكوني مرآة للرحمة معهم لا للردع:
ابتسمي، انزلي لمستوى نظر الطفل، خاطبيه بلطف، واثبتي في موقفك دون صراخ، فهو المبدأ النفسي الصحيح في هذا العمر.
ثانيًا: كيف توجهين باقي المعلمات برقي وتعاون؟
1- يحبذ أن تتعاملي بروح الفريق:
قدّمي اقتراحاتك على شكل "مبادرة تعاونية"، مثل: "ما رأيكم نعمل معًا ركنًا سلوكيًّا لتعليم الأطفال التعاون؟"، بدلاً من التوجيه المباشر أو النقد.
2- اعرضي عليهن مصادر تربوية بأسلوب غير مباشر:
مثلاً، يمكنك طباعة مقال تربوي صغير أو ملخص علمي من مصدر موثوق مثل منظمة UNICEF أو موقع Harvard’s Center on the Developing Child، وضعيه في غرفة المعلمات تحت عنوان: "قراءة سريعة ومُلهمة".
3- اقترحي إقامة اجتماع شهري بسيط بين المعلمات لمراجعة أهدافكم التربوية كفريق، مع الدعاء أن يجعله الله مجلسًا نافعًا.
ثالثًا: ما المبادئ التربوية والقيم الأساسية في هذه المرحلة؟
في علم النفس التربوي، نُركّز في هذه المرحلة على غرس ما يُعرف بـ: Foundational socio-emotional skills، أي المهارات الاجتماعية والانفعالية التأسيسية، ومنها:
- الاحترام: مثل: انتظار الدور، وعدم الصراخ.
- الاستقلالية: السماح له بأن يرتدي حذاءه بنفسه، أو يختار لونه المفضل.
- التنظيم البسيط: فهم نظام الصف (وقت اللعب، وقت الأكل...).
- الهوية الدينية الإيجابية: عبر كلمات بسيطة، مثل: "الله يحب الطفل النظيف" أو "نبدأ يومنا ببسم الله". فكما قيل: "التربية هي أن تنقل الطفل من حسن إلى أحسن، ومن كمال إلى أكمل".
* وهمسة أخيرة:
أنتِ في موقع عظيم التأثير، وأجركِ ممتد بإذن الله، فكل طفل تُربّينه على قيمة، وكل قلب صغير يشعر بالأمان معكِ، هو بذرة صالحة في أمة الغد.
نصيحتي لكِ:
- اجعلي نيتك دائمًا لله.
- واطلبي العلم التربوي دومًا.
- واحتسبي كل تعبك في ميزان حسناتك.
فرُبَّ علمٍ قصَدَ به صاحبه وجه الله، فبلغ به قلوب الناس وهو لا يشعر.
وفقكِ الله، ورزقكِ القبول، وأعانكِ على أداء أمانتك كما يُحب ويرضى.