الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
71 - رقم الاستشارة : 3035
21/10/2025
أنا أم لولد عنده ٨ سنين، في تانية ابتدائي، من فترة بدأت ألاحظ إنه بيرجع من المدرسة دايمًا قلقان ومتوتر، ولما بسأله بيقولّي إنه فيه ولد في فصله بيخوّفه كل يوم. في الأول افتكرت الموضوع بسيط، يمكن هزار أطفال، لكن بدأت ألاقيه بيصحى الصبح خايف يروح المدرسة، وأوقات بيعيط من غير سبب وبيقولّي مش عايز أشوف الولد ده.
حاولت أتكلم معاه أكتر، اكتشفت إن الولد ده بيهدده وبيتريق عليه قدام زمايله، وأوقات بياخد حاجاته أو بيمنعه يلعب معاهم. أنا بقيت فعلاً قلقانة جدًا، ابني شخصيته بدأت تضعف، وبقى يخاف من أي حد يرفع صوته، وأحس إنه بدأ ياخد موقف سلبي من المدرسة كلها.
أنا مش عارفة أتعامل إزاي مع خوفه اللي وصل لدرجة الجُبن، ولا أقدر أفرّق بين إنه محتاج دعم نفسي ولا لازم أتصرف مع إدارة المدرسة أو أهل الولد التاني؟ إزاي أساعده يستعيد ثقته في نفسه ويتخلص من الخوف ده؟
أهلاً وسهلاً بكِ عزيزتي الأم،
لقد لمستُ في حديثكِ مشاعر القلق والخوف على ابنك، وهي مشاعر طبيعية جدًّا تعبّر عن وعيكِ واهتمامكِ بصحته النفسية وسلامه النفسي والاجتماعي.
القلق المرتبط بالمدرسة
دعيني أطمئنك أولاً أن ما يمرّ به ابنك لا يعني أنه "جبان"، بل هو يمرّ بتجربة نفسية تُسمّى في علم النفس التربوي (School-related Anxiety) أي "القلق المرتبط بالمدرسة"، وقد يكون هذا القلق ناتجًا عن Bullying Behavior أي سلوك التنمّر الذي يتعرض له الطفل من زميله.
حالتان متداخلتان
وهنا، يا عزيزتي، نحن أمام حالتين متداخلتين:
1- خوف مكتسب نتيجة تجربة سلبية متكرّرة.
2- انخفاض في الثقة بالنفس Self-esteem بسبب شعوره بالعجز أمام المعتدي.
ولذلك، فالتعامل مع هذه الحالة يحتاج إلى توازن بين الاحتواء النفسي وإعادة بناء الشعور بالأمان والثقة داخل الطفل.
الهوية الاجتماعية الأولية
أولاً: من الناحية النفسية التربوية:
تذكّري أن الطفل في هذا العمر (8 سنوات) يكون في مرحلة بناء ما يسمّى بـ "الهوية الاجتماعية الأولية" Social Identity Formation، فهو يبدأ بتكوين صورة عن ذاته من خلال تفاعله مع الآخرين، فإذا شعر بالخوف أو الاضطهاد، قد تتكوّن لديه صورة سلبية عن نفسه وعن العالم.
العودة إلى دائرة الأمان
ومن هنا، فدوركِ الأساسي أن تعيديه إلى دائرة الأمان العاطفي Emotional Safety من خلال الآتي:
1- الإصغاء له دون تهويل أو تبخيس.
2- طمأنته بأنه ليس وحده، وأنكِ ستساعدينه.
3- مدحه على شجاعته في الحديث عن المشكلة، فمجرد اعترافه يُعدّ بداية الشفاء.
9 خطوات عملية
ثانيًا: من الجانب السلوكي العملي:
1- تحدثي بهدوء مع إدارة المدرسة، واطلبي مراقبة تفاعل الولدين داخل الفصل. لا تواجهي الطفل الآخر بنفسك حتى لا يتصاعد الموقف.
2- شجّعي ابنك على تكوين صداقات جديدة داخل الصف؛ لأن وجود "دعم اجتماعي" Social Support يخفف من تأثير التنمّر.
3- درّبيه في المنزل على مهارات المواجهة الإيجابية Positive Coping Skills، كأن يتحدث بثقة، أو يطلب المساعدة من المعلم في الوقت المناسب.
4- استخدمي القصص التربوية عن الشجاعة والعدل، لتغذية الجانب الوجداني لديه.
5- أخبريه أيضًا أن الخوف شعور إنساني طبيعي، وأن الشجاعة الحقيقية ليست في عدم الخوف، بل في القدرة على مواجهته. قال النبي ﷺ: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب." فالشجاعة في الإسلام ليست عنفًا، بل هي ضبط للنفس وثقة بالله. فهذا يعزز الجانب الديني والتربوي عنده.
6- اغرسي فيه مفهوم التوكل لا التواكل، أي أن يعتمد على الله ثم على نفسه في الدفاع عن حقه دون ظلم أو اعتداء. ذكّريه بقول الله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾.
7- ثم احتضنيه كثيرًا، فالعناق المنتظم يُفرز هرمون الأوكسيتوسين (Oxytocin) الذي يقلل التوتر ويزيد الشعور بالأمان.
8- ويمكنك أن تستخدمي معه الحوار القصصي قبل النوم، لتحكي له عن أطفال تخطّوا مخاوفهم بالشجاعة والإيمان.
9- ابتعدي عن وصفه بالخوف أو الجُبن، لأن التكرار اللفظي السلبي يؤدي إلى Self-labeling أي "تشكيل الهوية السلبية".
وهمسة أخيرة:
تذكّري أن الهدف ليس فقط إزالة الخوف، بل تحويل التجربة إلى فرصة تعليمية تُنمّي مهارة الصمود النفسي لدى ابنك. امنحيه وقتًا، فالثقة لا تُزرع بين يوم وليلة، بل تُبنى بالحب، والاحتواء، والقدوة الهادئة.
روابط ذات صلة: