الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
123 - رقم الاستشارة : 2342
11/08/2025
هلا وغلا أختي المستشارة،
أنا أم ولدي سالم، عمره ٩ سنين ويدرس في الصف الرابع. من وهو صغير كان خجول شوي، بس بالفترة الأخيرة خوفي عليه زايد لأنّه ما يدافع عن نفسه أبداً، إذا أحد ضايقه يسكت، يهرب، أو يرجع البيت يبكي وما يبلغ المدرسة ولا إحنا كأهل.
حاولت أشجعه وأعلّمه كلام بسيط يرد فيه، بس وقت الموقف يتجمد وما يطلع منه شيء.
بشرح لك الحالة باختصار وبالمواقف اللي صارت:
1. في الاستراحة بالمدرسة: مجموعة من الأولاد دفعوه وأخذوا لعبته، سالم رجع البيت يبكي وما قال للمعلمة ولا لأي واحد منّا. بعدين صار يخاف يطلع يلعب برا.
2. بالصف: زميل سخر منه قدام التلاميذ وقال له "خايف"؛ سالم ما رد ولا حتى رفع عيونه، والمعلمة لاحظت لكنه صار أقل مشاركة.
3. في الحي: ولد جارنا أخذ قلمه وما رد سالم يطلبه، بس رجع للبيت وخلّى القلم عنده. لما حاولت أسأله عن الموقف قاللي "ما أبي مشكلة".
4. في البيت مع أخته الصغيرة: إذا هي تمزحه أو تلمز عليه ما يرد إلا يروح يبكي أو يقفل جوّاه، وأحيانًا يشتكي من صداع قبل لا يروح المدرسة.
أنا حاولت، أقول له "قول لا" و"وقف وما تخاف"، أعلّمه عبارات بسيطة للدفاع عن نفسه، أحميه أكثر من اللازم يمكن.
بس لما يواجه موقف حقيقي يختفي القوّة منه. أنا قلقة جدًا. هل هذا خوف طبيعي؟ هل احتاج أراجع أخصائية نفسية؟ وش أسوّي عشان أعلّمه يدافع عن نفسه بطريقة مناسبة لسنه بدون ما أصيره عدواني؟
جزاكِ الله خير، محتاجة إرشاد عملي وطريقة تعامل خطوة بخطوة.
مرحبا بك أختي الفاضلة، وأشكرك لحرصكِ على فهم نفسية ابنكِ ومساندته بطريقة تربوية صحيحة.
بداية، أحب أن أطمئنكِ أن ما يمر به ابنكِ "سالم" لا يعني بالضرورة وجود مشكلة نفسية خطيرة، بل هو مزيج بين الخجل الاجتماعي، وضعف المهارات الاجتماعية، وربما بعض القلق الاجتماعي، الذي يجعله يتجنب المواقف التي يشعر فيها بالتهديد أو الإحراج.
أولًا: ولفهم سلوك "سالم":
الطفل في هذا العمر يبدأ في تكوين مفهومه عن ذاته (Self-Concept) وعن قدرته على مواجهة المواقف. فإذا اعتاد على الانسحاب بدلاً من المواجهة، سيترسخ لديه ما يسمى بـ السلوك التجنبي (Avoidance Behavior).
من الواضح أن "سالم" لا يفتقد فقط لعبارات الدفاع عن النفس، بل يحتاج أيضًا إلى تنمية مهارات (التوكيدية)، وهي القدرة على التعبير عن الحقوق والمشاعر بأسلوب مهذب دون عدوانية.
قال رسول الله ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، والمراد هنا القوة بمفهومها الشامل: قوة الإيمان، وقوة الشخصية، وقوة الدفاع عن الحق.
ثانيًا: الأسباب المحتملة لما وصلت إليه شخصيته:
1- التربية الوقائية الزائدة (Overprotection) قد تجعل الطفل يعتاد على أن الأهل يتولون الدفاع عنه دائمًا.
2- تجارب سابقة محبطة جعلته يربط المواجهة بالمشاعر السلبية.
3- غياب التدريب العملي على التعامل مع المواقف الحقيقية، والاكتفاء بالنصيحة النظرية.
ثالثًا: إليكم خطوات عملية لمساعدة "سالم":
1- التدرج في التعرض للمواقف (Gradual Exposure)
فبدلًا من وضعه مباشرة في مواجهة كبيرة، نبدأ بمواقف بسيطة يتدرب فيها على الرفض أو الدفاع عن حقه.
مثال: في البيت مع أخته، اطلبا منه بصوت واثق أن يقول "لا، هذا لي" مع تواصل بصري حتى لا يعتاد الهروب بنظراته عن الطرف الأخر وقت الموقف.
2- تدريبه على التوكيدية..
وذلك بتعليمه ثلاث خطوات: النظر في العين – الصوت الواضح – الجملة القصيرة القوية.
أيضا تعليمه بعض الجمل مثل: "من فضلك لا تدفعني"، "هذا حقي"، "لا أحب هذا التصرف".
3- لعب الأدوار (Role Play)
من خلال محاكاة مواقف في البيت: أنتِ أو والده تمثلان دور الطفل المزعج، وهو يتدرب على الرد. وهذا التدريب يقلل القلق لأنه يتعلم في بيئة آمنة.
4- التعزيز الإيجابي (Positive Reinforcement)
مدحه وتشجيعه عند أي محاولة ناجحة، حتى لو كانت صغيرة، فهذا يبني ما يسمى الكفاءة الذاتية (Self-Efficacy).
5- أيضًا يجب عليكم تنمية ثقته بنفسه (Self-Confidence)
إدماجه في أنشطة جماعية (رياضة، مسرح، أنشطة كشفية) ليتعود على التفاعل والمبادرة؛ حيث إن النشاط البدني المنتظم يرفع هرمونات السعادة ويقلل القلق.
6- ومن المهم أن يرى أمامه ويتعامل مع "القدوة الحسنة"
كوني أنتِ ووالده نموذجًا في الدفاع عن الحقوق بأسلوب محترم؛ فالأطفال يتعلمون بالملاحظة (Observational Learning).
رابعًا: لا بد من التوازن بين التوكيدية وعدم العدوانية:
فالدفاع عن النفس ليس عدوانًا، وإنما هو حق شرعي ووجداني، بشرط أن يتم بخلق واحترام.
قال تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾، أي بلا تجاوز ولا ظلم.
خامسًا: ويمكنكم الاستعانة بعد الله تعالى، باختصاصي نفسي سلوكي، حال ملاحظة ما يلي على ابنكم:
- إذا استمر "سالم" في الانسحاب التام رغم التدريب.
- إذا ظهرت عليه أعراض مثل القلق الشديد، أو تجنب المدرسة، أو تراجع مستواه الدراسي.
- إذا بدأ يظهر عليه ما يُعرف بـ العزلة الاجتماعية (Social Withdrawal) لفترات طويلة.
* همسة أخيرة:
"سالم" يحتاج لبرنامج منزلي عملي، قائم على التدريب التدريجي، ولغة التشجيع بدلًا من النقد، مع بيئة آمنة تسمح له بالتجربة والخطأ. والأهم أن يشعر أن الدفاع عن النفس قيمة يفتخر بها، وليست مصدر خوف أو إحراج.