Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 28
  • رقم الاستشارة : 1221
08/03/2025

أنا شاب في الثالثة والعشرين من عمري، وأدرس بالجامعة في إحدى الدول العربية المجاورة.

تعود قصتي حين كان عمري حوالي عشر سنين أو أقل بقليل.

كنا نذهب وإخوتي مع الوالدة إلى بعض أصدقاء العائلة وبعض الأقارب من بعيد شوية، وكان لدى بعضهم فتيات كن أكبر منا سنا حتى حدود الخمس سنوات تقريبا، وكن يطلبن مني أن أمارس الجنس معهن، ولم أكن أعلم ما الذي أفعله أو ما عاقبة هذا الشيء، كل ما أذكره أنني كنت مستمتعا بعض الشيء بما يحدث.

وتمر الأيام، وطرأت بعض التطورات، حيث كنت أقوم بأخذ بعض الكتب التي تتكلم عن العلاقات الزوجية وما إلى ذلك –أعتقد الفكرة وصلت– وكنت أحصل عليها من أحد الأقرباء المقربين من دون علمه، حيث كانت لديه مكتبة كبيرة في منزله، وكان حديث عهد بالزواج.

وفي أثناء الصف الثاني المتوسط تعلمت ما يسمى بالعادة السرية، وظللت أمارسها حتى اليوم، يعني حوالي عشر سنين، ولي الآن بالجامعة حوالي الخمس سنوات، والدراسة مختلطة في هذه الجامعة، وأشعر مؤخرا بخروج الأمر عن السيطرة، حيث أنني مررت بمواقف عصيبة.

سأختصر.. المهم أنني بدأت أفقد السيطرة على نفسي حيث أنني أصبحت أخرج من السكن الجامعي وأبحث عن بائعات الهوى، والحمد لله أنني أسكن بالسكن الجامعي؛ لأنني لو كنت أسكن في شقة أو ما إلى ذلك لكان الأمر انتهى منذ أول أسبوع.

والمشكلة تكمن في أنني لا أملك مالا للزواج، وفي ذات الوقت أصبحت أخاف على نفسي كثيرا؛ لأنني أخرج يوميا، وأذهب إلى حي مشهور بالبنات وأبحث، لكن الله لم يرد لي أن ألتقي بها حتى اليوم!

ولا استطيع إخبار الأهل بهذا الوضع الذي وصلت إليه، فحكم الزواج أصبح واجبا بالنسبة لي، ولا أستطيع الصيام بالنسبة لظروف البلد والدراسة. والله أعلم بحال رمضان.. نصوم عن الأكل والشرب.. ولكن بقية الجوارح.. هيهات … رب صائم لم ينل من صومه إلا الجوع والعطش.. وهذا ما أنا عليه الآن.. ودراستي متدهورة بسبب هذا الأمر.. حيث أنني أعدت ثلاث سنوات بالجامعة.

أنقذوني فقد سئمت حياتي هذه، وللعلم أنني الآن أكتب إليكم وأنا في مقهى في ذلك الحي اللعين، وحين يحين غروب الشمس أخرج إلى ذلك الحي بشكل شبه يومي.. ولا أستطيع أن أمنع نفسي.. فلا أجد نفسي إلا وأنا أجوب في تلك الشوارع، والأمر الإيجابي هو أنني شخص خجول بعض الشيء ولا أمتلك الجرأة في بدء المغازلة، وأعتقد أن هذا هو ما حفظني من الفاحشة حتى اليوم.

أرجو منكم الإسراع في إنقاذي، قبل أن يقع الفأس في الرأس، ولكم الشكر الجزيل، والله يرضى عليكم.

الإجابة 08/03/2025

ولدي الحبيب، مرحبًا بك، وأشكرك على ثقتك بنا، وأحييك على هذه الرسالة التي تشِفُّ عن نفس لوامة، وقلب وجِل من المعصية، وروحٍ تواقة إلى الطاعة، ورغبة قوية للهروب من الذنب، واللجوء إلى رحاب الطاعة، ونيل رضا المولى جل جلاله.

 

ولدي العزيز.. لا أحتاج أن أسرد عليك نصوصًا شرعية أحسبك تعيها، بل وربما تحفظها عن ظهر قلب، ولن أقرع سمعك بعظات قد تكون سمعتها عشرات المرات.

 

ما أحتاج أن أؤكده معك أولاً أنك بهذه الرسالة، وبهذا البوح، قد وضعت قدميك على بداية الطريق الصحيح، فالاعتراف بالخطأ بداية الإصلاح، والشكوى من الأعراض بداية العلاج.

 

ولدي الكريم، إنه من الطبيعي أن تشعر بكل هذه المشاعر، خصوصًا مع الوقائع التي مررت بها في حياتك، والتي زادتك شغفًا بالنساء، وأشعلت غريزتك ولا تجد مطفئ لها.

 

إن الجنس والتفكير فيه وطلب ممارسته إنما هو فطرة وضعها الله عز وجل في البشر جميعهم، والشاذ من الناس من لا يشعر بهذه الرغبة ولا تطارده الشهوة من حين لآخر، يقول رب العزة في سورة آل عمران: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ). وليس في هذا عيب أو رذيلة، ما دام الإنسان ينفِّس عن هذه الرغبة ويأتي هذه الشهوة ضمن الحدود التي وضعها الشرع المطهر، وهي حدود الزواج الشرعي. فديننا يا بُني لا يجرِّم الشهوة ولا يحاربها، وإنما فقط يهذبها ويضعها في إطار نظيف، يحفظ طهارة الأعراض ونقاء الأنساب وصحة الأجساد وصلاح المجتمعات.

 

والأمر يا ولدي يحتاج منك إلى عزيمة قوية وهمة عالية، حتى تحوِّل تفكيرك إلى أمور نافعة، وتستثمر طاقتك فيما يعود عليك وعلى أمتك بالنفع.

 

وما دمت لا تستطيع الآن –ماديًّا– أن تقضي شهوتك داخل هذا الإطار، ولا تستطيع الصوم، فيجب عليك أن تتناول بعض الأدوية القرآنية التي نصح بها رب العزة، ومنها:

 

1- الابتعاد تمامًا عن المثيرات والمهيجات الجنسية، بشتى أنواعها، ولا داعي للتفصيل فيها، فهي معروفة، مع استحضار نية غض البصر لنيل الثواب، حيث يقول رب العزة في سورة النور: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).

 

2- المحافظة على الصلوات في أوقاتها جماعة في المسجد، حيث قال جل من قائل في سورة العنكبوت: (وأَقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنكَرِ).

 

3- المحافظة على تلاوة القرآن بشكل دائم، وحمل المصحف دائمًا، والمحافظة كذلك على أذكار الأحوال، وخصوصًا أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم، يقول المولى سبحانه في سورة الرعد: (الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ).

 

4- ملازمة الصحبة الصالحة، التي تساعدك على الطاعة، وتقيك المعصية وغوائل الشهوة، وهجر رفاق السوء الذين يزينون المعاصي ويسوقونها إليك، حيث قال عز وجل في سورة الكهف: (واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).

 

فاحرص يا بني على عدم اختلائك بنفسك لأوقات طويلة، حتى لا تترك للشيطان فرصة ليحدثك بالذنب، ويوسوس لك بالمعصية، والشيطان من الواحد أقرب ومن الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

 

هذا مع شغل الوقت دائمًا بالأمور النافعة، وبذل الجهد والطاقة في الأعمال المفيدة، وممارسة الرياضة، والهوايات المباحة النافعة بشتى صورها، وقراءة الكتب والمجلات الثقافية والدينية، وحضور الدروس الدينية، والتردد على المساجد، ومتابعة البرامج الدينية والثقافية في الفضائيات المختلفة.

 

ولدي الحبيب، إن مشكلتك الكبرى هي الفراغ القلبي الذي تعاني منه، والذي حوَّل حياتك كلها إلى فراغ وتيه، ألهاك عن واجباتك الأساسية في هذه الحياة، والتي لا بد لك من القيام بها لتصلح شأنك في الدنيا ولتكون في الآخرة من الصالحين. وصدق من قال: «من لم يشغل نفسه بالطاعة شغلته بالمعصية».

 

وأخيرًا، أنصحك يا بني بالمسارعة إلى الزواج، والسعي لتحصيل أسبابه، فهو أفضل الحلول وأنجعها، ولا تعطلنك عنه إن امتلكت أسبابه أية معطلات، من دراسة أو عمل أو أو، فكل ذلك يمكن أن يكون مع الزواج، ليت المجتمع، وأولياء الأمور خاصة يقتنعون بهذا.

 

إياك يا بني أن تضعف أمام شيطانك، فيرديك في سبله المهلكة، فتسعى للذة عارضة سريعة يعقبها ألم الدنيا والآخرة، إنها دائرة خبيثة، من دخلها يصعُب عليه الخروج منها إلا بشق الأنفس، وما يخرج منها –إن خرج– إلا مجروح الفؤاد، ملوث الروح، معطوب البصيرة.

 

وتذكر قول أحد الصالحين من السلف، الذي جاءته إحدى الغانيات تعرض عليه نفسها، فقال لها يردعها: «أبيع جنة عرضها السموات والأرض بفِتر لحم بين فخذيك!» وصدق والله، فإن مَن يرضى بتلك القسمة ما تجد في الدنيا أحمق منه.

 

نسأل الله العفو والعافية، هداك الله يا ولدي وإيانا إلى الرشد والصواب، وتابعنا بأخبارك، والسلام عليكم ورحمة الله.