Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 26
  • رقم الاستشارة : 1196
04/03/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا عندي سؤال محيّرني شوية... فيه ناس مؤذية، بس في نفس الوقت موحّدين بالله وبيصلّوا وبيصوموا وبيحجّوا، لكن عندهم صفات وحشة جدًا بتأذي اللي حواليهم.

فهل ينفع أكرههم في الله بسبب أفعالهم دي، ولا كده يبقى إيماني ناقص؟

وكمان، فيه ناس كده من غير سبب مجرد ما بشوفهم بحس إني مش مرتاحة لهم "لله في لله"، فهل ده حرام؟

وأتعامل مع الإحساس ده إزاي؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة 04/03/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكِ أيتها الأخت الكريمة، وأسأل الله أن يشرح صدركِ للحق، وأن يرزقكِ البصيرة والطمأنينة، وأن يجعلنا وإياكِ من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وبعد...

 

فالإيمان حبٌّ وبغضٌ، ولاءٌ وبراءٌ؛ فقد قال نبينا ﷺ: «إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ» [رواه أحمد]، وفي الحديث المتفق على صحته عدَّ النبي ﷺ الذي «يُحبُّ المرءَ لا يحبُّهُ إلَّا للَّهِ» من الذين يذوقون حلاوة الإيمان. ومعنى الحب في الله والبغض في الله، أن نحب الناس ونبغضهم وفق طاعتهم لله أو معصيتهم له، لا لما يربطنا بهم من علاقات اجتماعية أو مصالح دنيوية.

 

لكنَّ هذا لا يعني أن نكره المسلم الموحد كرهًا مطلقًا بسبب ذنوبه وأخطائه، بل نكره معصيته ونبغض ظلمه، مع بقاء أصل المحبة له باعتباره عبدًا لله مؤمنًا به. قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10]. فأصل العلاقة بين المؤمنين هي الأخوَّة، ولكن هذه الأخوَّة لا تعني أن نسكت عن الظلم أو الأذى. قال النبي ﷺ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فقال رجل: يا رسولَ اللهِ، أنصُرُهُ إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إذا كان ظالمًا كيف أنصُرُه؟ قال: «تَحْجِزُهُ، أو تمنَعُه، من الظُّلمِ، فإنَّ ذلك نَصْرُهُ» [رواه البخاري].

 

فإن كان الإنسان مؤذيًا لغيره بلسانه أو بيده أو بأي شكل من أشكال الظلم، فواجب علينا أن ننكر هذا المنكر؛ لكن دون أن يتحول الأمر إلى كراهية مطلقة تستأصل من القلب كل رحمة به؛ لأننا جميعًا خطَّاؤون، والمطلوب منا أن نحكم على الأفعال لا على الأشخاص. والنبي ﷺ قال: «المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلِمُهُ، ولا يُسْلِمُهُ، ومن كانَ في حاجةِ أخيهِ كانَ اللهُ في حاجتِهِ» [رواه مسلم].

 

فالأصل أن نبقى في دائرة النصح والدعاء لمن يخطئ؛ لا أن يتحوَّل كرهنا لفعله إلى كره له بذاته، إلا إذا استحكم فساده وظلمه، وأبى التوبة والإصلاح.

 

أما عن الشعور بعدم الارتياح تجاه بعض الأشخاص دون سبب واضح، فهذا أمر فطري، وقد يكون بسبب أمور خفية لا يدركها العقل؛ لكن تشعر بها الفطرة السليمة. فقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» [رواه البخاري]. وهذا يدلُّ على أن الأرواح قد تتآلف أو تتنافر لسبب لا ندركه. لكن هذا الشعور ينبغي ألا يتحوَّل إلى ظلم أو اتهام؛ بل علينا أن نزن الأمور بميزان العدل والشرع، ونعامل الناس بظاهرهم، ونُحسن الظن، حتى يثبت لنا خلاف ذلك.

 

كيف نتعامل مع هذا الشعور؟

 

1- عدم الحكم المطلق: فالشعور بالراحة أو عدمها ليس دليلًا قطعيًّا على صلاح الشخص أو فساده، فينبغي ألا نبني عليه مواقفنا بالكامل.

 

2- الدعاء بالخير: فإن كنتِ تشعرين بنفور تجاه شخص ما، فاسألي الله أن يهديكِ وإياه، فهذا يليِّن القلب ويزيل الغشاوة.

 

3- العدل في التعامل: فلا تجعلي هذا الشعور يؤثر على معاملاتكِ معه، فالحكم على الناس يكون بالأفعال الظاهرة لا بالمشاعر الخفية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8].

 

4- التحقق والتثبّت: فإن كان الشعور مبنيًّا على موقف سابق أو تصرف معين، فينبغي البحث عن حقيقة الأمر للوصول إلى حكم صحيح.

 

وختامًا -أختي الكريمة- إن الحُبَّ والبغض في الله ميزان دقيق يحتاج إلى علم وحكمة، فينبغي ألا نخلط بين كراهية الفعل وكراهية الشخص، ولا بين النفور الفطري والظلم القلبي.

 

فلتكن محبتنا وبغضنا وفق ميزان الله، لا وفق الهوى أو العاطفة وحدها، ولنتذكَّر أن الهداية بيد الله، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء.

 

أسأل الله أن ينير بصيرتكِ، وأن يرزقكِ السداد في القول والعمل، وأن يجعلنا وإياكِ من أهل المحبة والرحمة والعدل.. وجزاكِ الله خيرًا على حرصكِ وسؤالكِ.