الإستشارة - المستشار : د. مسعود صبري
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
46 - رقم الاستشارة : 1140
26/02/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أبلغ من العمر 25 عامًا، عزب، الحمد لله لم أقترف ذنبًا أو كبيرة من الكبائر طوال حياتي، ولكن مشكلتي الوحيدة هي أني لا أصلي، أعترف لك وأقول لك بأن مجموع الصلوات التي صلتيها منذ أن بلغت لا تتعدى صلوات شهر واحد فقط، أصلي أربع مرات في اليوم ولا أصلي الصلاة الخامسة، أصلي ثلاثة أيام في الأسبوع ولا أصلي بقية الأيام وهكذا. ستسألني بالطبع عن السبب أقول لك وبكل صدق: لا أعرف، ليس هناك شيء أكون مشغولاً به يعطلني عن الصلاة، ولست صاحبًا لرفقة سوء، لا شيء من ذلك كله، لا أعرف ما أفعله، أرجوك دلني ماذا أفعل لكي أواظب على الصلاة؟
أخي الكريم..
مشكلتك التي تحكي عنها طامة أصابت عدداً كبيراً من الأمة، وهذه المشكلة وهي عدم المواظبة على الصلاة، أو عدم الصلاة بالكلية، مظهر من مظاهر البعد عن الله تعالى، حتى لو ظن البعض أنه حميم الصلة بالله، وأن فيه أشياء خيرة كثيرة، وأنه يعمل أعمالاً صالحة، لكن يجب عليه أن يفتش في نفسه، ويتهمها؛ لأن عدم الصلاة يعني وبكل وضوح ضعف إيمان، الذي لا يصلي صلته بالله تعالى هشة.
وفي ظني، أن عدم الصلاة مظهر من مظاهر فقر العلاقة مع الله، وأن الذي لا يصلي لا يعظم الله تعالى في قلبه، وأن يوقن أنه بعيد عنه سبحانه وتعالى، بل قد أقسو وأقول: إنه لا يحب الله.
إن من أحب صديقًا له، فإنه يحب أن يجالسه، ويحب أن يكون معه دائماً، ولما انقلبت الصلاة عندنا إلى حركات تؤدَّى، وليست جلسة حب وشوق، وذهب عنها خشوعها الذي هو روحها، فأدى ذلك إلى عدم الرغبة في أدائها، وجعل الصلاة فرضاً فحسب، دون أن تؤخذ كمنظومة كاملة لشكل من أشكال العبادة والتقرب إلى الله تعالى يجعل الإنسان غير حريص عنها، ويحرم من فضلها وخيرها.
وربما أرى في عجالة أن من أهم أسباب ترك الصلاة أو التقصير فيها ما يلي:
1- ضعف إيمان الإنسان، وضعف علاقته بربه سبحانه وتعالى.
2- الانشغال الدائم بالدنيا، وأنها تربعت على عروش قلوبنا، وتمكنت منها.
3- الجهل بفقه الصلاة، ولا أقصد بالفقه هنا الأحكام الشرعية، ولكن أقصد به أن كثيراً منا لا يعرف الصلاة بصورة كاملة وشاملة، من كونها راحة نفسية، وحركة اجتماعية، وعبادة رياضية، وأنها مجلبة للسعادة والطمأنينة، وغير ذلك من فوائدها الجمة.
4- البيئة المحيطة التي لا تحافظ على الصلاة، فلا يجد الإنسان من يعينه على أدائها.
5- عدم التعود عليها منذ الصغر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر».
6- الانغماس في المعاصي والآثام، وشغل النفس بما يضرها ولا ينفعها، وقد قيل: «نفسك إن لم تشغلها بالطاعة، شغلتك بالمعصية».
وغير ذلك من الأسباب، بالإضافة إلى أن هناك أسباباً خاصة بكل إنسان، هو يعرفها عن نفسه قبل أن يعرفها أي أحد.
وفي ظني أن من أهم وسائل العلاج ما يلي:
1- استشعار الإنسان أنه عبدٌ لله، وأن الله تعالى لم يخلقه سدى؛ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 115، 116].
2- يقين الإنسان أنه من الله، وإليه راجع، وأنه سيحاسبه على كل صغيرة وكبيرة؛ (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 13، 14، 15).
3- سعي العبد أن يكون محباً لله، ومن دلائل الحب القرب منه، والشوق إلى لقائه، والفرح بالوقوف بين يديه، والإسراع إلى ملاقاته سبحانه وتعالى.
4- القراءة كثيراً عن فضل الصلاة وحكمها، والقراءة في أحوال السلف الصالحين، وكيف كان حالهم مع الصلاة، ويمكن الرجوع إلى كتاب «صور من حياة الصحابة»، وكتاب «صورة من حياة التابعين» للدكتور رأفت الباشا، و«رجال حول الرسول» للأستاذ خالد محمد خالد، وغيرها من الكتب التي تتحدث عن سير الصالحين كـ«سير أعلام النبلاء» للذهبي، و«الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر، وغير ذلك.
5- المحافظة على الصلاة في المسجد؛ لأن الصلاة في المسجد تعلم الإنسان النظام، ويتكسب مع الوقت أن يكون للصلاة درجة اهتمام في حياته، فالصلاة مع الجماعة تدفع المرء للحفاظ عليها، ورؤية المصلين والارتباط بهم، بحيث إذا غاب الإنسان سأل عنه إخوانه، فيكون هناك نوع من الارتباط.
6- ضبط منبه الساعة على مواعيد الصلاة، أو شراء بعض ساعات الحائط التي تكون مبرمجة على أوقات الصلاة، وهناك بعض التطبيقات على الموبايل تضبط على مواعيد الصلاة، فتؤذن وقت الصلاة.
7- سماع مقاطع على الإنترنت عن أهمية الصلاة لكثير من الدعاة.
8- الهمة العالية، واحتساب أجر الصلاة من غفران الذنوب، والتقرب إلى علام الغيوب، وأن بها تقضى الحاجات، وتمحى السيئات، ويكفي أنها وصل بالله تعالى، ولو لم يكن للصلاة فائدة إلا أن يكون الإنسان موصولاً بالله، لكفت، فأوجد في نفسك محبة أن تكون مع الله، وأن تقف بين يديه، واجعل هذا في قلبك.
9- الإكثار من الدعاء، والتوسل إلى الله تعالى أن يجعلك ممن يحافظون على الصلاة، وقد كان إبراهيم عليه السلام يدعو: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) [إبراهيم: 40].
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يحبب إليك الصلاة، وأن تكون قرة عين لك.. اللهم آمين.