الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
302 - رقم الاستشارة : 845
31/01/2025
أنا شاب سني عشرين سنة، أعاني من ضعفي أمام شهوة النساء والنظر إليهن، ومشاهدة الأفلام الإباحية، ورغم أني أحرص على الاستغفار والتوبة في كل مرة أفعلها، لكن سرعان ما أضعف وأعود لما كنت عليه، ثم أندم وأتوب، وهكذا. أصبحت أخشى سوء الخاتمة، وكدت أيأس من الإقلاع عن هذه المعاصي. ماذا أفعل؟ أرجو الرد سريعًا.
ولدي الحبيب، بارك الله فيك وهدانا وإياك إلى صراطه المستقيم. أشكرك على ثقتك بنا، وعلى سؤالك الذي نحسب أنه ينبع من قلب حيّ يخشى الله، ويتوق إلى مغفرته ورضوانه.
إن مجرد شعورك بالندم –يا ولدي- وإلحاحك على التوبة، وخوفك من سوء الخاتمة، كلها دلائل على خير فيك، ونور في قلبك، فلا تدع الشيطان يوسوس لك بأنك هالك، أو أن باب التوبة مغلق أمامك؛ بل اعلم أن الله –تعالى- يفرح بتوبتك، وينتظرك أن تعود إليه كلما زللت، فقد قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53)؛ إنها دعوة من الرحمن، لا لليأس والإحباط، بل للأمل والعمل، ولنتحدث معًا بعمق عن كيفية التغلب على هذا الابتلاء، خطوةً خطوة.
أولًا- فهم طبيعة الصراع مع الشهوة
اعلم -ولدي الحبيب- أن الشهوة غريزة أودعها الله في الإنسان، ولم يخلقها عبثًا، بل جعل لها قنوات شرعية تُصرف فيها، وهي الزواج. أما الانحراف بها إلى المحرمات، فهو من تسويل الشيطان ووساوس النفس، والنجاح في مقاومة هذه الشهوة ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى جهاد وصبر.
النبي –صلى الله عليه وسلم- لم ينكر وجود الشهوة؛ لكنه أرشد إلى ضبطها، فقال: «يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» (متفق عليه). ووجاء: وقاية.
وهذا يعني أن الله لم يأمرنا بما هو فوق طاقتنا؛ بل جعل لكل ضعفٍ علاجًا، ولكل شهوةٍ مخرجًا طاهرًا.
ثانيًا- لا تيأس من التوبة أبدًا
إن الشيطان يفرح إذا وقعت في الذنب؛ لكنه يفرح أكثر إذا يئست من التوبة؛ لأنه بذلك يقطعك عن رحمة الله.
ولدي، لا تترك باب التوبة مهما تكرر الذنب، فإن الله يحب التوابين، وليس هناك عدد معين للتوبة، بل كلما عدت فارجع، وكلما زللت فاستغفر، والله وعد بقبولك ما دمت صادقًا.
نبينا –صلى الله عليه وسلم- قال: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم» (رواه مسلم).
هل ترى؟! إن الله لا يطردك، بل يدعوك مرة بعد مرة، فلا تملّ من التوبة، حتى يأتيك الموت وأنت في طريق الرجوع إلى الله، وليس في طريق المعصية.
ثالثًا- خطوات عملية للإقلاع عن هذه الذنوب
1- قطع الأسباب المؤدية للمعصية
فتخلص من أي وسيلة توصلك إلى الحرام، سواء كانت برامج على الهاتف، أو الحاسوب، أو مواقع، أو الذهاب لأماكن معينة.
ولا تكن وحدك كثيرًا، فالوحدة تفتح باب الشيطان، واقض وقت فراغك في أعمال مفيدة، مثل: الرياضة، قراءة القرآن، تعلم مهارة جديدة.
2- غض البصر وكسر العادة تدريجيًّا
جاهد نفسك في حفظ بصرك، وكن على يقين بأن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه. ولا تتوقع الإقلاع الفوري، ولكن كل مرة تصبر فيها، فأنت تقترب خطوة نحو التحرر من الذنب والقرب من جناب الله.
3- الصيام والاستعانة بالله:
فالنبي –صلى الله عليه وسلم- أوصى بالصيام لمن لم يستطع الزواج؛ لأنه يكسر حدة الشهوة. وأكثر من الدعاء، وقل بصدق: «اللهم إني أسألك العفاف والتقى، والغنى عن الحرام».
4- الصحبة الصالحة:
فلا تقضِ وقتك مع من يشجعونك على الحرام، بل ابحث عن أصدقاء صالحين، يقربونك من الله.
حافظ على صلاة الجماعة، واحضر دروس العلم، وارتبط بمجالس الذكر، فهي تعينك بصورة كبيرة على تجنب المعصية والإقبال على الطاعات.
5- تذكر الموت وسوء الخاتمة
فما الذي يضمن لك أنك لن تموت وأنت على هذه المعصية؟ لو جاءك ملك الموت وأنت تشاهد الحرام، ماذا سيكون موقفك؟
اجعل هذه الأسئلة محفزًا لك للفرار من الحرام إلى الطاعة، وسرعة التوبة والاستدراك، والحرص على جني الحسنات.
رابعًا- الاستمرارية وعدم الاستسلام
فقد تشعر بالضعف أحيانًا، وقد تزل قدمك، لكن لا تجعل ذلك يحبطك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» (رواه الترمذي). فإذا ضعفت فارجع. وإذا أخطأت فاستغفر.
ولدي الحبيب، ما دمت تقرأ هذه الكلمات، فالله لم يغلق بابه في وجهك، وما دمت تتوب، فأنت في الطريق الصحيح. لا تجعل الشيطان يثنيك؛ بل اجعل جهادك لنفسك أعظم عمل تتقرب به إلى الله. وتذكر قول الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (الأعراف: 201).
أسأل الله أن يرزقك العفاف والطهارة، وقوة على هواك، وأن يجعل قلبك عامرًا بحب الله، وأن يحفظك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وتابعنا بأخبارك.