23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د رمضان فوزي
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 22
  • رقم الاستشارة : 1021
16/02/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيراً على جهودكم، كنت أريد أن أسأل: هل توجد أدعية تساعد على حفظ القرآن؟ أم أن ما نسمعه خطأ، بارك الله فيكم.

الإجابة 16/02/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

أهلاً بك أخي السائل، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

أخي الكريم، ما أجمل أن يعيش المؤمن بين الدعاء والقرآن! فيدعو الله أن ييسر له حفظ القرآن وتلاوته، ثم يتلو القرآن الذي هو ذكر ودعاء؛ فهو يعيش للقرآن ويعيش بالقرآن ويعيش مع القرآن، وقد كان وصف السيدة عائشة رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان «قرآناً يمشي على الأرض»؛ فكان يحفظ القرآن في صدره، ويعيه بعقله، وتطبقه جوارحه.

أخي الكريم، إن المؤمن موصول بالله تعالى؛ فهو يلجأ إلى الله بالدعاء في كبير أمره وصغيره، وقد تعبدنا الله بالدعاء ووعدنا الإجابة فقال عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60).

والدعاء هو أكرم شيء على الله تعالى، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» (رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه)؛ ذلك لأن فيه من ذلِّ الحاجة والافتقار إلى الله تعالى والتضرع إليه والانكسار بين يديه ما يُظهر حقيقة العبودية لله تعالى.

وإذا كان الدعاء لتحقيق عبادة أخرى من أجلّ العبادات وأفضلها وهي حفظ القرآن، فإن الغاية تبلغ درجة عالية من السمو والفضل.

والدعاء نوعان؛ نوع مأثور؛ وهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل أدعية الصباح والمساء والأكل والنوم وغير ذلك من الأحوال، ونوع آخر وهو غير مأثور والمقصود به ما يدعو به المسلم ربه بأي ألفاظ دون تقيد بالمأثور.

ومن رحمة الله عز وجل بنا أنه فتح أمامنا الدعاء بأي صيغة، ولم يشترط علينا ألفاظاً مخصوصة له، إلا ما ورد مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف، وما عدا ذلك فليدعُ كل مسلم بما شاء وكيفما شاء، وذلك فيه مراعاة للفروق بين الناس حسب ثقافاتهم.

وهذه الفروق كانت موجودة بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان مشهوراً عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه مثلاً حسن الدندنة في الدعاء، وهو ما لم يتوافر لأحد الصحابة الذي سأله الرسول صلى الله عليه وسلم: «كيف تقول في الصلاة»؟ قال: أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حولها ندندن».

وبالنسبة لسؤالك، أخي الكريم، عن دعاء معين لحفظ القرآن الكريم، فإنه لم يرد دعاء معين عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.

وهناك حديث طويل روي عن ابن عباس رضي الله عنه، يوصي فيه النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما شكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صعوبة حفظه القرآن؛ فأوصاه بصلاة أربع ركعات، وأن يقرأ في كل ركعة منها بسورة معينة بعد «الفاتحة»، ثم يدعو بدعاء معين مذكور في هذا الحديث، إلا أن بعض علماء الحديث قالوا: إن هذا الحديث موضوع ومكذوب على رسول الله.

إذن، يا أخي، عليك أن تدعو الله عز وجل بما تيسر لك من الدعاء، وأن تلتزم بآداب الدعاء، ومن هذه الآداب التي أود أن ألفت الانتباه لها هنا هي عدم الاعتداء في الدعاء، وهو المقصود من قول الله تعالى، كما في بعض التفاسير: (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)؛ وذلك بأن تدعو الله، مثلاً، بأن تستيقظ في الصباح فتجد نفسك حافظاً للقرآن، أو تحفظه في أسبوع مثلاً، أو يلقى القرآن في صدرك دون أخذ منك بالأسباب المادية، أو غيره من الأمور التي لا تتفق مع سُنة الله في الكون.

فالأصل أنك تبدأ في الحفظ مراعياً الأسباب المادية التي تعينك على ذلك، ثم تدعو الله عز وجل بأن ييسر لك هذه الأسباب، وأن يساعدك على الاستمرار والديمومة على الحفظ، وأن يهيئ لك من الظروف ما يقويك على ذلك، وأن يعطيك من قوة الذاكرة ما يعينك عليه، وأن يجعلك من الذين يُقيمون حروف القرآن وحدوده.

فالرسول صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن مفرقاً ليسهل عليه حفظه، وكان جبريل عليه السلام ينزل عليه في شهر رمضان ليدارسه القرآن؛ فهو صلى الله عليه وسلم الذي عصمه الله من الخطأ وقال له: (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى) (الأعلى: 6) كان يأخذ بالأسباب العملية المعينة على الحفظ.

إذن، يا أخي، عليك أن تجمع بين الدعاء والأسباب العملية حتى ييسر لك الله عز وجل حفظ كتابه.

وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من الذين يقرؤون القرآن فيرقون في جنات الخلد.