22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 42
  • رقم الاستشارة : 1079
20/02/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب مسلم أحرص على الدعاء وألجأ إلى الله في كل أموري، وأحاول أن أكون قريبًا منه قدر استطاعتي. لكنني أواجه أحيانًا مشاعر من الحزن والضعف عندما أرى أن بعض دعواتي التي أرجوها بشدة لم تُستجب بعد، رغم أنني أدعو بإلحاح، وأحاول تحقيق شروط استجابة الدعاء من اليقين بالله، وتحري الحلال، والصبر. أعلم يقينًا أن الله حكيم ورحيم، وأنه لا يمنع عن عبده الخير، لكنني في لحظات الانتظار الطويل أشعر ببعض الخواطر التي تؤلمني، مثل: لماذا لم تتحقق دعوتي حتى الآن؟ هل هناك خطأ فيَّ لا أدركه؟ كيف أستطيع أن أبقى ثابتًا على حسن الظن بالله، دون أن يتسلل إلى قلبي ضعف أو فتور في الدعاء؟ أرجو منكم توجيهي إلى كيفية التعامل مع هذه المشاعر، حتى أستمر في الدعاء بقلب مطمئن، وأحافظ على يقيني برحمة الله وعدله، مهما تأخرت الإجابة. جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 20/02/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخي الحبيب، ومرحبًا بك، ونسأل الله العلي القدير أن يشرح صدرك ويطمئن قلبك، وبعد...

 

فما أجمل القلب الذي لا يلتفت إلا لله، وما أنقى الروح التي تلتمس رحمته في السراء والضراء، وما أكرم النفس التي تعلقت بالدعاء، كالغريق الذي لا يرى نجاة إلا بمدد من الله.

 

إن ما تمر به من مشاعر، من شوق لإجابة الدعاء، ومن تساؤلات يهمس بها القلب في لحظات الانتظار، هو جزء من الابتلاء الإيماني الذي يمر به كل مؤمن يسير في درب التعلق بالله. وأنت حين تسأل هذا السؤال، فإنما تعبر عن قلب حيٍّ، متيقظ، ممتلئ بحب الله وتوقٍ لقربه، وهذه نعمة عظيمة في ذاتها.

 

فلنقترب معًا، حتى نستنير بنور الوحي، ونغوص في أعماق هذه المشاعر لنفهمها في ضوء القرآن والسنة، ونخرج منها بنفس أكثر طمأنينة، وروح أكثر صلابة في الثبات على حسن الظن بالله.

 

أولًا- لماذا لم تُستجب دعوتك حتى الآن؟

 

أخي الكريم، تأخر الإجابة ليس غيابًا لها، ولكنه تدبير من الله، وفرقٌ كبير بين المنع والتأجيل، وبين العطاء الذي نريده والعطاء الذي يختاره الله لنا.

 

يقول الله تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].

 

أنت تدعو بعينك البشرية التي ترى جزءًا بسيطًا من اللوحة، بينما الله يراك ويرى حاضرك ومستقبلك، ويرى ما هو أصلح لقلبك ودينك ودنياك وآخرتك.

 

وقد قال النبي ﷺ: «ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها». قالوا: إذًا نُكثِرُ. قال: «اللهُ أكثرُ» [رواه أحمد].

 

فأنت رابح في كل الأحوال:

* إما أن ترى إجابة دعوتك قريبًا.

 

* وإما يدخرها الله لك ليوم تكون أحوج ما تكون فيه إليها.

 

* وإما يصرف عنك بها بلاءً لا تعلمه، وربما لو كشف لك الغيب لسجدت شكرًا أن الله لم يستجب لما كنت تتمنى.

فهل تأخُّر الإجابة إذًا إلا صورة من صور الرحمة!

 

ثانيًا- هل هناك خطأ فيك لا تدركه؟

 

أحيانًا، تأتي هذه الخواطر من باب المحاسبة، وهي مشاعر طيبة تدل على حرصك على القرب من الله. لكن، لا تجعلها تسرق منك راحة قلبك، فالله لا يعاملنا بحسابات رياضية، بل هو الرحمن الذي يفرح بتوبة عبده، ويعطي بلا مقابل، ويرحم بلا حدود.

 

لكن مع ذلك، تأمل في نفسك:

 

 * هل هناك ذنب يعوق استجابة الدعاء؟ النبي ﷺ قال: «وإنَّ العبدَ ليُحْرَمُ الرزقَ بالذنبِ يُصيبُه» [رواه ابن ماجة].

 

* هل هناك ضعف في اليقين؟ فاليقين بالله يفتح أبواب الإجابة.

* هل تكرر الدعاء بروح الشاك القلق، أم بروح الواثق بوعد الله؟

 

ومع ذلك، حتى لو كنت ترى في نفسك تقصيرًا، فاعلم أن الله لا يمنع عنك عطاياه بسبب عيب فيك، بل ليرفعك ويطهرك ويقربك منه أكثر.

 

ثالثًا- كيف تثبت على حسن الظن بالله؟

 

1- استحضر أسماء الله الحسنى عند الدعاء حين تدعو. لا تستشعر فقط أنك تطلب شيئًا، بل استشعر أنك تناجي الرحيم، اللطيف، الكريم، الودود، العليم بحالك، القادر على قلب الموازين في لحظة.

 

يقول الله –عز وجل- في الحديث القدسي: «أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظُنَّ بي ما شاء» [رواه أحمد]. فاجعل ظنك بالله أنه يُعد لك ما هو أجمل مما تتصور.

 

لا تربط استجابة الدعاء بتحقيق المطلوب، بل بالثقة بأن الله قد أجاب.

 

فقد يكون العطاء في صورة مختلفة، أو في زمان مختلف، أو بديلًا أعظم مما طلبت. وكل هذا استجابة، لكن بحكمة الله لا بما يظهر لك آنيًّا.

 

2- انظر في حياتك إلى نعم لم تكن تتوقعها؛ فكم من دعوة دعوت بها ونَسِيتها، ثم فاجأك الله بإجابتها يومًا؟ تأمل كيف كان الله يرعاك ويجيب دعواتك الماضية، وثق أنه يفعل ذلك الآن أيضًا، لكن بحكمته وتقديره.

 

3- واصل الدعاء بحب، لا بملل ويأس. اجعل دعاءك لحظة قرب، لا لحظة اختبار لله. لا تجعل الدعاء وكأنه اختبار لمدى استجابة الله لك، بل اجعله لقاءً بينك وبين الله ملؤه الخشوع منك. تمتع به كما يتمتع العبد بمناجاة سيده الذي يحبه ويرعاه.

 

4- تذكر انتظار الأنبياء للإجابة وصبرهم:

 

* زكريا ظل يدعو عقودًا، ثم قال: ﴿وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم: 4]، فجاءه الجواب: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ﴾ [مريم: 7].

 

* يعقوب فقد ابنه سنين طويلة ولم يفقد الأمل: ﴿عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ [يوسف: 83]، فأتاه الله بهما معززين مكرمين.

 

* أيوب ظل صابرًا يدعو: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83]، فكان الفرج سريعًا: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 84].

 

كلهم انتظروا، وصبروا، ورأوا الخير أضعاف ما تمنوا، وأنت ستكون كذلك بإذن الله.

 

ختامًا -أخي الحبيب- كلما طال انتظارك، اعلم أنك في موضع اختبار، وكلما زاد اختبارك، كان عطاؤه لك أعظم. لو كشف الله لك الغيب، لرأيت أن تأخر الإجابة كان خيرًا محضًا، وأن لحظة الفرج عندما تأتي ستكون أعظم وأجمل مما توقعت.

 

لا تحمل هم الإجابة، بل احمل هم الدعاء، واستمتع بالقرب من الله، وثق أن عطاياه تأتي في الوقت الذي يليق بك، ليس في الوقت الذي تظنه أنت مناسبًا.

 

الله يسمعك، ويحبك، ولن يضيعك، فاصبر، وأبشر بكل الخير.

 

أسأل الله أن يرزقك سعادة الدارين، وأن يحقق لك ما تتمنى في الوقت الأجمل والأكمل، وأن يملأ قلبك يقينًا وثباتًا لا يزول. وتابعنا بأخبارك.