23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 123
  • رقم الاستشارة : 913
07/02/2025

شخص ظلمني وسامحته لله، من أجل الأجر والثواب، فهل حقي سيرد لي في الدنيا، ويمكنني رؤيته في نفس الشعور الذي كنت فيه، وأن يتعرض لنفس الظلم الذي ظلمني به؟

الإجابة 07/02/2025

أختي الكريمة، مرحبًا بك، وأسأل الله أن يشرح صدرك، ويشفي قلبك، ويهدئ نفسك، ويزكي روحك، وبعد...

 

فالحياة –يا أختي- مليئة بالابتلاءات، ومنها الظلم الذي قد يقع علينا من الآخرين. ولا شك أن الظلم قبل أن يكون عندنا أمرًا عظيمًا، فهو عظيم عند الله جل وعلا، فقد حرَّمه –سبحانه- على نفسه، وجعله بين عباده محرمًا، كما جاء في الحديث القدسي: «يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُهُ بينَكم محرَّمًا فلا تَظالموا» [رواه مسلم].

 

وقبل أن أستطرد معك فيما طرحته في رسالتك، اسمحي لي أن ألفت نظرك لأمرين أجد أنه من الأمانة أن أشير إليهما:

 

أولهما -أختي الكريمة- أنك قبل أن تري أنك قد وقع عليك ظلم، هل تأملت الموقف بموضوعية؟ وهل كان هناك ظلم واقع عليك بحق، أم أن هناك جانبًا آخر للقصة لم تنظري إليه؟

 

أرجو ألا تغضبك هذه اللفتة، فإنما هي للتذكير والتيقن، وليست للاتهام، فأحيانًا نشعر بأننا مظلومون بينما يكون للطرف الآخر وجهة نظر مختلفة لم نضعها في الحسبان. وقد يكون ما رأيناه ظلمًا هو في الحقيقة مجرد سوء تفاهم أو تصرف غير مقصود.

 

وسأبني جوابي إليك على أنك متيقنة من أنك تعرضتِ لظلم حقيقي، مناقشًا ما تشعرين به، وما ترغبين فيه.

 

الأمر الثاني هو أنك حينما تقولين إنك سامحتِ لوجه الله، فهذا يعني أنك رفعتِ القضية من يدكِ إلى يد الله، ورضيتِ بحكمه وعدله، سواء أراكِ انتقامه في الدنيا أم أجَّله ليوم الحساب. لكن إذا كان قلبك ما زال معلقًا برؤية الظالم يتألم كما تألمتِ، فقد يكون عفوكِ ناقصًا، أو –عفوًا- لم يكن خالصًا لله، وإنما ترغبين في الأجر مع الاحتفاظ بالأمل في رؤية الانتقام ممن ظلمك!

 

سيدتي، إن العفو الحقيقي هو أن تطهّري قلبكِ من الرغبة في التشفي، وأن تثقي بحكمة الله دون الحاجة لرؤية النتيجة بعينيك. فراجعي نفسكِ، واسأليها: «هل عفوتُ حقًّا، أم أن في قلبي بقايا من الألم والتعلق بالحساب الدنيوي؟».

 

وإنك –أختي الفاضلة- قد اخترت العفو والتسامح طمعًا في ثواب الله وأجره –كما قلت- وهذا دليل على إيمانك العميق وحبك لمرضاته سبحانه. ومع ذلك بقي في قلبك تساؤل مشروع: هل سيعود إليك حقك؟ وهل سيرى الظالم ما أذاقك إياه؟ وهذا ما سأناقشه معك في السطور التالية، مستعينًا بالله.

 

أولًا- هل يعود إليك حقك؟

 

عليك -أختي الفاضلة- أن توقني حق اليقين بأن الله -سبحانه وتعالى- لا يضيِّع حق أحد من عباده، فهو –جل وعلا- العدل المطلق، والعليم المطلع الذي لا يغفل ولا ينام ولا يسهو ولا يهمل، وقد قال في كتابه الكريم: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم: 42]، فالله قد يؤجل عقوبة الظالم لحكمة يعلمها، ولكنه لا ينسى، فإن لم يُرَدّ لك حقك في الدنيا، فسيُردّ في الآخرة حيث الحساب العادل، ولا يظلم ربك أحدًا.

 

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه» [رواه البخاري].

 

وهذا يدل على أن الحقوق محفوظة، إما بردِّها في الدنيا، أو بأخذها يوم القيامة، حيث يكون الحساب أشد وأعظم.

 

ثانيًا- هل يمكن أن ترَي الظالم يعاني كما عانيتِ؟

 

اعلمي أن من سنن الله في الكون أن «الجزاء من جنس العمل»، وقد قال الله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) [الشورى: 40].

 

وقد ترين بعينيك انتقام الله ممن ظلمك، أو قد يحدث ذلك دون علمك؛ لكنه حتمًا سيذوق مرارة ظلمه، فإن لم يكن في الدنيا، فسيكون أشد وأقسى في الآخرة؛ خصوصًا إذا دعوتِ عليه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» [رواه البخاري].

 

فدعوة المظلوم مستجابة، وقد ترين بعينيك انتقام الله من ظالمك، أو قد يحجب عنك ذلك لحكمة يعلمها؛ لكنه لا يترك ظالمًا دون حساب.

 

ثالثًا- مكانة العفو عند الله

 

إنك –أختي الكريمة- قد عفوتِ لوجه الله، وهذا من أعظم القربات التي تُرفع بها درجاتك، فقد قال تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ۖ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ) [النحل: 126]، وقال: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور: 22]. وقال: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40].

 

وتيقني أنك بهذا العفو والصفح سيعوضك الله بأفضل مما فقدت، وسيجعل لك من الخير ما يزيل ألمك، وسترين أثر عفوك في حياتك وفي ميزان حسناتك.

 

ختامًا -أختي الكريمة- حقك محفوظ، سواء في الدنيا أو في الآخرة، فلا تظني أن الله يغفل عن ظلم العباد بعضهم لبعض. وقد تكون رؤيتك لانتقام الله من الظالم فتنة لك، فيحجبها عنك ويختبر صبرك وثقتك به. فكوني على يقين بأن الله لن يضيع أجرك، فإن لم تفرحي بعودة حقك في الدنيا، فستفرحين بذلك يوم القيامة حين تجدين حسنات لم تتوقعيها، أو درجات في الجنة كنت تحلمين بها.

 

فاصبري، واحتسبي، وثقي بعدالة الله، وأبشري بالخير الكثير الذي ينتظرك، فالظلم زائل، والعدل آتٍ، والله لا يخلف وعده.