الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
356 - رقم الاستشارة : 690
14/01/2025
السلام عليكم ورحمة الله، أكتب لكم ومعنويَّاتي في الحضيض، بل أنا في عذابٍ يمزِّقني كلَّ ثانيةٍ بسبب الإثم الذي ارتكبته في حقِّ ديني ونفسي، وأنا الطالب الملتزم الملتحي “24 سنة” المحترم من طرف الناس صغيرهم وكبيرهم. محنتي يا سادة تبتدئ بتعرُّفي على الإنترنت، فأعجبت به نظراً لما يتيحه من معارف وأخبارٍ وعلومٍ بطريقةٍ تكنولوجيَّةٍ جذَّابة، وأصبحت أتردَّد على إحدى قاعات الإنترنت، ونشأت معرفةٌ لا بأس بها بيني وبين صاحبها أثمرت بشرائي لجهاز كمبيوتر، استمرَّ تردُّدي على تلك القاعة، وفي إحدى المرَّات وبينما أستعمل الإنترنت داخل القاعة المذكورة من خلال حاسوبٍ معيَّنٍ باعتباره هو الوحيد الذي يتيح الكتابة بالعربية إلا إنه موضوعٌ في مكانٍ يصعب لمستعملٍ آخر الاطِّلاع على ما أتصفَّحه، ذهبت بالصدفة إلى صفحة العناوين فوجدت عنواناً لموقعٍ إباحيّ، فوسوس لي الشيطان وسوَّلت لي نفسي تصفُّحه وتسجيل صورٍ خليعةٍ منه على فلاشة، بالإضافة إلى مواقع أخرى محترمة، وبينما أنا كذلك قام أحد القائمين على تلك القاعة –وهو من معارف أخي مراهقٌ عابثٌ 20 سنة- قام بالتجسُّس عليَّ من خلال حاسوبٍ آخر ليطَّلع على ما أتصفَّحه، وهو لم يكتشف ذلك إلا بعد أن نادى زميله –زعما- بأن يأتي لمساعدته في إصلاح عطبٍ بالحاسوب الذي هو فيه حتى لا أكتشف الأمر، وقد تأكَّد لي ذلك عند أداء الثمن، حيث سألني زميل أخي: الاتِّصال “كونكش Connection” جيِّدٌ اليوم، أليس كذلك؟ أجبت: نعم، وسألته في نفس الوقت مستفهماً عمَّا بحاسوبه؟ وهل هو غير جيِّد؟ فأجابني ضاحكاً بنعم، إنَّه أردأ جهاز، استأذنت وانصرفت، وصلت إلى المنزل وأنا أكاد أموت من تأنيب الضمير، وقضيت الليلة كلَّها وأنا في عذاب، وكسَّرت الفلاشة قبل أن أُدخلها إلى حاسوبي النظيف. حدث هذا منذ شهرٍ تقريباً، والله إنَّها لحظة ضعفٍ لأنَّي لم يصلِّ العشاء في وقتها، ولأنَّه زار تلك القاعة التي كان يعلم أنَّه أصبح فيها قيِّمون فاسدو الأخلاق ومن أبناء الحيّ، الآن سمعتي معرَّضةٌ للضياع لأنَّ زميل أخي أخبر أخي بالأمر، وهو أيضاً مراهقٌ عابثٌ “20 سنة”، ولطالما راهنت على نفسي كقدوةٍ لهدايته، وكذا بعض أبناء الحيّ، الآن أنا في نظره أسوأ إنسانٍ بعدما كان يحترمني، رغم أنَّ علاقتنا كانت في أغلب الأحيان باردةً نظراً لولعه بكلِّ ما هو غربيّ، يسخر منِّي كلَّما نهيته عن تصرُّفٍ ماسٍّ بالأخلاق ومنافٍ للشرع، ومن دراستي بل ومن صلاتي في بعض الأحيان، بل يقاطع كلَّ مكانٍ أتواجد فيه، ولا ينظر إليّ، وقال لي مرَّة: لن يهتمَّ بك أحدٌ مستقبلا، ووالداي يستنكران تعاملنا وحتى بعض الأقارب دون علمٍ منهم بالسبب، وحتى أخي لا يستطيع مواجهتي أو مصارحتي بالسبب، ولكن يُلمِّح لي عرَضاً لأنَّ بعض أصدقائه يسخرون منِّي أمامه. الآن أنا حزينٌ حزين، أبكي أحياناً في غرفتي وأدعو الله بالصفح والستر، وأحافظ على صلواتي وعاهدت الله على ألا أشاهد منظراً غير محتشمٍ ما دامت حيًّا وأتصدَّق بما لديّ، ولقد قاطعت تلك القاعة مستغلاًّ عدم حضور صاحبها لمساعدتي في تشغيل برنامجٍ معيَّنٍ بالمنزل، وقاطعت قاعات الإنترنت بصفةٍ عامَّة، غير أنَّه أصبح يرى بأنَّ كلَّ شيءٍ قد انتهى، فالشرف هو كلُّ شيءٍ وأنا فرَّطُّت فيه، وأسأت لنفسي وديني ولأسرتي، فأنا في حكم المنافق الفاسق، لقد أصبحت استنكف الكلام في الدين في حضور أخي، كما أصبحت أرى بأنَّ شهادة البكالوريوس التي سأحصل عليها، إن أنا تجهَّزت للامتحان ليست ذات فائدة، لأنَّ باعثي في التفوُّق في الدراسة هو إظهار الشابِّ الملتزم بمظهر المتفوِّق المجتهد، أمَّا الآن فإنَّ ثقتي بنفسي تنقص كلَّما التقيت بشخصٍ أعرفه سواءً من الذين وصلهم الخبر، حيث إن بعضهم ينظر إليه مشدوهاً بما سمع عنه، أو الذين يحسبونني على خيرٍ رغم أنِّي أحاول الظهور بمظهرٍ طبيعيّ. أنا متمسِّكٌ بديني وأملي في الله باقٍ وفيكم، فماذا تقولون لي لمعالجة هذا الوضع الذي أنا فيه بالشكل الذي يحفظ ما يمكن حفظه من سمعتي؛ فزميل أخي الذي تجسَّس عليَّ هو وصديقه عندما يروني يطأطئون رؤوسهم، هل أواجههم كحلٍّ حاسم؟ أنا شاكرٌ لكم؛ وجوابكم مهمٌّ بالنسبة لي. والسلام.
ولدي الحبيب، وجدت نفسي أعيد قراءة رسالتك مرَّاتٍ عدة، لأملأ نفسي بأريج المشاعر الصادقة التي كتبت بها هذه الرسالة، واستشعرت القول الوارد عن عمر رضي الله عنه: «جالسوا التوابين فإنَّهم أرقُّ أفئدة»، وهذا ما شعرته في ثنايا رسالتك.
ولدي الحبيب، لن أناقش معك الذنب الذي اقترفته، فلا شكَّ أنَّه ذنب، ولكنِّي سأناقش معك ما بعد وقوعك في الذنب، ونظرتك للأمور بعدها.
وقبل أيِّ شيءٍ أهنِّئك، نعم أهنِّئك، فأنت إن كنت كذلك وكما حكيت، فأبشر، فأنت والله أحسبك مؤمنًا تقيًّا، ليس بكلامي ولكن بشهادة الله -عزَّ وجلَّ- وبشهادة رسوله صلى الله عليه وسلم، اسمع قول الله -سبحانه وتعالى- يتحدث عن المتَّقين فيقول: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ (آل عمران: 135-136).
ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه قاعدٌ تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ مرَّ على أنفه، فقال به هكذا» (رواه البخاري).
وأظنُّ أنَّ هذا حالك ولدي الحبيب، فقد ذكرتَ عدَّة مظاهر تبرز ندمك الشديد وتوبتك من الذنب، وخوفك من الله، مثل قولك إنَّك «كسرت الفلاشة قبل فتحها»، دليلٌ على مسارعتك بالتوبة وتذكُّرك لله، وقولك: «قضيت الليلة كلَّها في عذاب»، وقولك: «حزينٌ حزينٌ أبكي أحيانا في غرفتي»، وقولك: «أدعو الله بالصفح والستر»، وقولك: «أحافظ على صلواتي»، وقولك: «عاهدتُّ الله على ألا أشاهد مظهرًا خليعًا»، وعزمك على التصدُّق بما لديك.
وقد وعد الله -عزَّ وجلَّ- بقبول توبة التائبين، وغفران ذنوب المسيئين، وسبحانه لا يُخلف وعده، واستمع إلى بشرياته عزَّ وجلَّ لعباده التائبين: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ (مريم: 60، 61، 62، 63)، ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ (الفرقان: 70، 71).
واسمح لي يا ولدي أن أهنِّئك تهنئةً ثانيةً على نفسك اللوَّامة التي استحقَّت أن يقسم الله عزَّ وجلَّ بها، لعِظَمِها ونُدرتها.
ولدي الحبيب،
إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- الذي خلق الإنسان يعلم طبيعته ويعلم ضعفه؛ لذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تُذنِبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» (رواه مسلم)، أيُّ رحمةٍ هذه، وأيُّ فضل!
ولدي الحبيب،
لا أرضى منك أبدًا أن تكون معنويَّاتك في «الحضيض» كما تقول، ولا ينبغي لك أبدًا العكوف على جَلْد ذاتك وتحقيرها لأنَّها وقعت في ذنب.
نعم أنت -كما تقول- كنت «الطالب الملتزم الملتحي المحترم»، ولكنَّك لم تكن أبدًا ولن تكون «المَلَك النبيَّ المرسل المعصوم»؛ أنت بشرٌ عاديٌّ من بني آدم، ممن كُتب عليهم الجهل والخطأ والنسيان، يقول صلى الله عليه وسلم: «كلُّ بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون» (رواه الترمذيّ، بسندٍ حسن).
إنَّ مثلًا صادقًا يقول: «لكلِّ جوادٍ كبوة، ولكلِّ عالم هفوة»، وأنا أقول لك: ولكلِّ متديِّنٍ ملتزمٍ سقطةٌ أو هَنَّة؛ ولتعلم أنَّك أنت وأمثالك من الشباب الملتزم هم مرمى الشيطان وهدفه الأول، والذي يسعى سعيًا حثيثًا ويجهد جهدًا جهيدًا في إغوائهم، ويتحيَّن الفرص للمكر بهم والإيقاع بهم في شباكه، فإن لم تكن أنت وأمثالك، فمَن؟
أتوجَّه بك بعد ذلك –ولدي- لجانبٍ آخر من الموضوع، وهو إحساسك بضياع سمعتك، وافتقاد هيبتك واحترامك أمام أخيك الذي «راهنت على نفسك كقدوةٍ له»، وأمام أبناء الحيّ، وحديثك عن هذا الذي ينظر إليك مشدوها كلَّما رآك.. أنا معك في أنَّ هذا شيءٌ يحزن النفس، عندما تشعر بانتقاص الآخرين لها، ونظرتهم إليها بعين الازدراء، ولكن ينبغي أن تواجه هذا الأمر سريعًا وتنهيه مع نفسك أولًا ثمَّ مع هؤلاء.
تسألني كيف؟؟ أقول لك:
أولًا: يجب أن تعلم أنَّك عبدٌ لله -سبحانه وتعالى- وحده، وهو وحده –عز وجل- الذي يستحقُّ أن تراقبه، وتستحي أولًا من نظره سبحانه إليك، إنَّك تعبده هو –سبحانه- ولا تعبد الناس، فأصلح ما بينك وبينه -سبحانه وتعالى- يصلح ما بينك وبين الناس، وتوجَّه إليه -سبحانه وتعالى- بالدعاء أن يُنسي الناس أخطاءك، ويصفِّي لك قلوبهم، واعلم أنَّك تتوب لله وليس لهم، ويهمُّك رضاه هو سبحانه، وليس رضا الناس.
ثانيًا: لو أنَّ الأمر لا يتعدَّى مجرَّد النظرات، فلا تدع هذه النظرات تخترق نفسيَّتك وتؤثِّر فيها؛ بل واجهها بكلِّ شجاعةٍ وتجاهل معانيها، وتكلَّم وتعامل بكلِّ ثقة، فإن تجاوزوا النظرات إلى التلميح بالكلام أو التصريح، فأخبرهم بما أخبرناك به، من سريان الجهل والخطأ والنسيان على كلِّ البشر، وأنَّه ليس هناك أحدٌ معصوم، وليس عيبًا أن تقع في المعصية، ولكنَّ العيب هو الاستمرار على المعصية، وعدم التوبة والاستغفار منها.
ولعلَّ نظرات الناس إليك هذه مُجرَّد أوهامٍ سيطرت على عقلك لإحساسك بالخطأ والتقصير، فالإنسان المرتكب لخطأ أو جُرمٍ ما، يشعر أنَّ الناس كلُّهم يعرفون خطأه وجُرمه، وربما يتخيَّل أنَّهم يشيرون إليه ويتكلَّمون عنه كلما وجدهم يتناجون بينما بينهم، كالمثل القائل: «كاد المريب يقول خذوني».
إنَّ أكثر ما آلمني في كلامك هو قولك: «ثقتي بنفسي تنقص»، لا يا ولدي؛ بل ينبغي أن تجعل من هذا الموقف لبِنَةً في طريق بناء نفسك وإصلاحها، ودرسًا تستفيد منه في الآتي من أيامك، فاستعن بالله ولا تعجز.
ولقد أشرتَ في رسالتك –يا ولدي- إلى معرفتك بأسباب وقوعك في هذه الواقعة، مثل ارتياد أماكن مشبوهة، يديرها أناسٌ على غير الجادَّة، كما أنَّك كنت وقتها مضيِّعًا للفريضة، فلم تصلِّ العشاء في وقتها مما كان عونًا للشيطان عليك، فحاول تجنُّب هذه الأسباب مستقبلًا، فابتعد عن تلك الأماكن، ولا تفتح للشيطان عليك بابًا بتضييعك لفرائض الله -عزَّ وجلَّ- والخروج من ذمَّته وحمايته.
إنَّ أفضل الخلق وهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين امتدحهم الله -عزَّ وجلَّ- في القرآن، وأثنى عليهم رسوله -صلى الله عليه وسلم- ورفع من شأنهم، منهم من ارتكب الكبائر، وليس الصغائر فقط، فلم يحُطَّ ذلك من قدرهم وكرامتهم، لا عند الله، ولا عند الرسول، ولا عند معاصريهم؛ لأنهم كان عندهم الفهم السليم، حتى من أساء الفهم فيهم سارع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على الفور بتصحيح هذا الفهم وردِّه إلى الصواب.
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه حادثة رجم المرأة التي زنت على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفيها: «فحُفِر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجرٍ فرمى رأسها، فنضح الدمُ على وجه خالد، فسبَّها، فسمعه عليه الصلاة والسلام، فقال: «مهلًا يًا خالد، فو الذي نفسي بيده، لقد تابت توبةً لو تابها صاحب مُكْسٍ لغُفِر له»، ثمَّ أمر بها فصلَّى عليها، ثمَّ دُفنت»، وفي رواية: «لقد تابت توبةً لو قُسِمَت بين سبعين من أَهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدتَّ توبةً أَفضل من أَن جادت بنفسها لله عزَّ وجلّ».
وأخيرًا -ولدي الحبيب- أريد أن أهمس في أذنيك بنصيحةٍ مهمَّة، وهي أنَّك يجب أن تحذر في المستقبل من الوقوع في مثل ما وقعت فيه؛ لأن الناس ينظرون إلى أخطاء المتديِّنين والدعاة بعدساتٍ مكبِّرَة، وعادةً ما يحدث بسبب سوء الفهم، أو خبث القصد أحيانًا، أن يلصقوا تلك السقطات بكلِّ المتدينين، وبكلِّ الدعاة، ثمَّ تنسحب تدريجيًّا على الدين ذاته، ويكون السبب في هذا هو هذا المتديِّن أو الداعية الذي سمح لهم بأن يطَّلعوا على هَنَّاته وسقطاته.
لذًا كان رسل الله -عزَّ وجلَّ- وأنبياؤه يُختارون من أوساطٍ طاهرةٍ نقيَّة، لها ماضٍ ناصع البياض ومُشرِّف، حتى لا يجد أعداء الدعوة ما يشوِّهونها به من خلال ماضي هؤلاء أو واقعهم، وقد تجلَّى الدليل على ذلك واضحًا في شخص النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ حيث كانت سيرته العطرة في قومه، وأخلاقيَّاته السامية، قبل البعثة وبعدها، كانت حائط صدٍّ أمام هجمات أعداء الدعوة؛ حيث لم يجدوا ما ينفذوا منه لتشويه صورة الدعوة من خلال حاملها، انظر إلى الحوار الذي دار بين هرقل قيصر الروم وأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه حين دعاه هرقل ليسأله عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكان مما قاله هرقل: «وسالتك: هل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فعرفت أنَّه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله» (رواه البخاري).
همسةٌ أخرى أهمس بها إليك ولدي: أرجو منك تخفيف الوطء قليلًا في تعاملك مع الناس وفي نظرتك لهم؛ حيث لاحظت أنَّك ترميهم بأحكامٍ على شاكلة: «مراهقٌ عابث»، «قيِّمون فاسدو الأخلاق»... إلخ، ولعلَّ نظرتك هذه هي التي جعلت الناس يسارعون باتِّهامك وينظرون إليك تلك النظرات التي أزعجتك، وجعلتك تظنَّ أنَّ وقوعك في ذنبٍ هو نهاية الحياة.
ولدي، انظر إلى الجوانب الحسنة في الناس، وابحث عنها، ولن تعدمها، واعطف على أخطائهم، وارحم ضعفهم، بعدما جرَّبت بنفسك، كم هي خادعةٌ وساوس الشياطين.
ولدي الحبيب، ثق بنفسك، وتعلَّق بربِّك، وراقبه وحده، وهو سبحانه غافر الذنب وقابل التوب، ولتختر لك صحبةً حسنة تُصبِّر فيها نفسك، وتعمل من خلالها لدينك، تقبل الله منا ومنك.
وتابعنا بأخبارك.