23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د رمضان فوزي
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 293
  • رقم الاستشارة : 504
30/07/2023

كيف يعرف الإنسان أن إيمانه قوي ولن يضعف. عن نفسي لدي إيمان قوي بالله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر والقدر. لكنني أشعر بأن إيماني يتذبذب، وكثيرا ما يراودني شك في إيماني، وأشعر بتقصير كبير جدا خصوصا إذا عملت شيئا يتنافى وديننا السمح. أفيدوني وجزاكم الله خيرا ...

الإجابة 30/07/2023

أهلاً بك أختي السائلة، ونسأل الله لك التوفيق والهداية والثبات.

نؤكد، بداية، أن الثابت عند أهل السُّنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، والدليل على ذلك قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً) (الأنفال: 2)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران: 173)، وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ) (الفتح: 4)، وقوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة: 124).

وقد روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله لأصحابه: «هلموا نزدد إيماناً»، وكان سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يدعو فيقول: «اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً»، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: «من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه».

إذا نظرنا في تعريف الإيمان، فإننا نجده كما صح عن الحسن رضي الله عنه أنه قال: «ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل»، إذن فللإيمان جناحان بينهما اطراد: إيمان القلب، وتصديق الجوارح.

وأنت، أختي السائلة، تقولين: إن لديك إيماناً قوياً بالله وملائكته ورسله، وهذا شيء جميل أن يثق الإنسان في إيمانه ودينه، ولكن مع الحذر من مداخل الشيطان؛ فربما يُدخل الشيطان في قلب الإنسان العُجْب بإيمانه وأعماله؛ وهو ما يؤدي به إلى التكاسل بعد ذلك، فأهلاً بالثقة الدافعة للعمل وللزيادة، وإياك والعُجْب بالنفس والعمل.

ورداً على سؤالك، أختنا الفاضلة، نقول:

إن علامة قوة الإيمان ازدياد العمل الصالح والتقرب إلى الله وفعل أوامره والانتهاء عن نواهيه؛ فكما ذكرنا فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فانظري إلى أعمالك وضعيها على ميزان الشرع الحنيف؛ فإن وافقته فهذا دليل قوة إيمانك، وإن كان غير ذلك فقفي مع نفسك وحاسبيها.

أما عن شعورك بتذبذب الإيمان في بعض الأوقات، فهو أمر شكا منه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن حنظلة الأسيدي قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيراً، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟»، قلت: يا رسول الله، نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة» ثلاث مرات.

ولكن، يا أختي، «ساعة وساعة»، هذه يجب أن تقاس بميزان الشرع، وأن تعرفي أن هناك خطًّا يجب عدم النزول عنه وهو ما عبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن لكل عمل شرة (نشاطاً)، ولكل شرة فترة (ضعفاً وسكوناً)؛ فمن كانت فترته إلى سُنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك».

واسمحي لي أن أنقل لك بعضاً مما قاله الشيخ عطية صقر، من علماء الأزهر الشريف، في هذه المسألة، حيث قال: «الإيمان هو التصديق بالقلب بما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلم، وهذا التصديق أو الاعتقاد إن صدق دفع الإنسان إلى العمل واستقام سلوكه، وكل عمل بدون إيمان لا قيمة له عند الله، كعمل المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالَى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً.

والإيمان المجرّد من العمل إيمان ناقص، كجذر الشجرة التي ليس لها فروع ولا ثمار، أما الإيمان الذي يتبعه عمل فهو إيمان كامل مع التفاوت في الكمال، كالشجرة المورِقة المثمرة؛ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {2} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال).

والإسلام يحبُّ من المؤمن أن يكون إيمانه كاملاً بالطاعات ليسعَد في دنياه وأخراه، ولا يحبُّ منه أن يكون ناقص الإيمان لتعرُّضه لعِقاب الله على المعاصي إن لم يتُب عليه ويغفر له، والهداية إلى الإيمان العملي القائم عليه هي توفيق من الله سبحانه، لكنْ لكل شيء سبب، فعلى الإنسان أن يسعى إليه ويجتهد في تحصيله، والله يَهديه إلى ما يريد، أما بدون سعي ورغبة فلا يستحق من الله هداية، قال الله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) (القصص: 56).

فالمعنى أن التوفيق للإيمان والطاعة لا يملكه إلا الله، يعطيه لمن سلك السبيل إليه، والرسول لا يُعطي هذا التوفيق، فما عليه إلا الدلالة عليه، وهو المراد بالهدى إذا نُسب إليه في مثل قوله تعالى: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (الرعد: 7)، والله يهدي النّاس السبيل ببيان طريق الخير وطريق الشر، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الخير هداه الله أي وفّقه، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الشر أضلَّه الله، كما قال سبحانه: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) (البقرة: 26).

فالإيمان كسبي ووهبي؛ كسبي بسلوك السبيل إليه، ووهبي بتوفيق الله له، إن صدقت نيته، وقانون الحياة قائم على الأسباب والمسببات، تحت مشيئة الله سبحانه: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير: 29)؛ ويقول تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) (سورة يونس: 108).

وختاماً، نسأل الله لنا ولك -يا أختي- الإيمان الخالص، واليقين الصادق.

وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وتابعينا بأخبارك.

التعليقات

جزاكم الله خيرا