Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 194
  • رقم الاستشارة : 907
06/02/2025

مرحباً أنا شاب تخرجت من الجامعة منذ سنة ومن الطلاب الأوائل الحمدلله. أنا طموح جدا ولدي شغف بالعمل والدراسة لكن لاخلاف أن الإنسان في مرحلة ما يحتاج المساعدة سواء المادية أو المعنوية وهنا أريد التحدث عن * الأسرة * ما الحل لـ الأهل الذين يقدمون الخير والدعم لخارج عوائلهم وأسرهم ، يهتمون ببناء سمعة طيبة خارج إطار الأسرة أما عن الأسرة فلا كلام! مثلاً أوقات الفراغ متاحة عند الوالد للحديث مع صديقه لكن ليس مع ولده أو ابنته! المساعدات المالية تكون للغرباء وليس للعائلة بأن تطالب أو أن تطرح مشكلة لأن الجواب سيكون "بيعينكم الله"! لا أتحدث عن ظلم بقدر ما أتحدث عن "تهميش" لفرد من أفراد الأسرة أو ربما الأسرة بأكملها! فإن كان الجار يحتاج أن يقترض مبلغ من المال فهو موجود ولامشكلة إن لم يستطع إعادته في الوقت المناسب فنحن "جيران", أما لو طلبها ولدي مستحيل! حتى أن أسأل عن أحوال فلان وكيف حال ابنه هل تزوج هل تخرج هل وجد عمل هل جنى هل هل هل... ولا اسأل عن ولدي ولا أي شيء سوا كلمة واحدة "بيعينك الله" وحتى لو حاولت العمل على بدء مشروع خاص ولربما "غسلت أيدي من المساعدة المادية" يكون الكلام والتصرف مصدر للإحباط...! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم {خيركم خيركم لأهله} وقال كذلك {كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته}، الأمر بالنسبة إلي تجاوز الحدود المادية أصبح جارح هل ربما أنا ولادتي في هذه الدنيا مصدر إزعاج لابي أم ما القصة! تجاوز تفكيري هذه الحدود حتى أصبحت اسأل نفسي "ربما لا أكون ابنه بالحقيقة" الكثير من الوساوس لا أستطيع إيقافها أحاول دفعها بالذكر والقرءان وتذهب وتعود وأنا منهك! أحياناً أرى صور أصدقائي مع والديهم فيزداد شعوري بعدم الرضى المشكلة أن هذه الأفكار تؤثر على سلوك معاملتي لزملائي في العمل، وعلى صحتي "القولون العصبي" لكن ما الحل لمثل هذه الحالات كيف أتعامل مع هذه النماذج من الأهل فصعوبة الأمر ليست لمنعي عن المساعدة إنما بمساعدة من هو أبعد مني! كيف لا أسمح لهذه الأفكار بالاستمرار علما أن يومي بكامله مشغول تقريباً؟ يعني الأفضل اصارحهم بالموضوع؟ أم أصبر ولاحول ولا قوة إلا بالله.

الإجابة 06/02/2025

ولدي العزيز، مرحبًا بك، وأشكرك على ثقتك بنا، وتواصلك معنا، وبعد...

 

فإني أُدرك تمامًا حجم المشاعر التي تحملها في قلبك، وأفهم الألم الذي يسببه لك هذا الشعور بالتهميش والخذلان ممن هم أقرب الناس إليك.

 

 

إن الأسرة هي الملجأ الأول والدفء الذي نحتاجه جميعًا، وعندما نشعر بالجفاء داخلها، يصبح الأمر مؤلمًا جدًّا، وقد يؤدي إلى وساوس وأفكار تثقل النفس وتؤثر على مسيرتنا في الحياة.

 

لكن، قبل أن تدع هذه المشاعر تُلقي بظلالها على روحك، دعنا نبحث معًا عن نور الحل في كتاب الله وسنة نبيه، وفي الفهم العميق للحياة وطبيعة البشر.

 

أولًا- فهم طبيعة الأهل وسلوكهم

 

لا شك أن تصرفات والديك –أو أحدهما– تشكل لديك شعورًا بالخذلان، لكن من المهم أن نفهم أن بعض الآباء لديهم تصورات مختلفة عن مفهوم العطاء والمسؤولية. ربما يرى والدك أن مساعدته للغرباء بابٌ من أبواب الخير، ويشعر بأن الأبناء قادرون على تدبير أمورهم دون الحاجة إلى دعمه، أو ربما نشأ في بيئة تكرس هذا النوع من التفكير.

 

لكن هذا لا يعني أن مشاعرك غير مبررة أو أنك تبالغ، بل على العكس، فالشعور بالإهمال العاطفي من الأهل مؤلم جدًّا، وقد يؤدي إلى تساؤلات وجودية ووساوس كما ذكرت. لكن، هل من الممكن أن يكون والدك غير مدرك تمامًا لحجم تأثير تصرفاته عليك؟ أعتقد نعم.

 

ثانيًا- ماذا يقول الإسلام عن بر الأهل وواجب الأبوين؟

 

إن الله -سبحانه وتعالى- جعل للأهل مسؤولية عظيمة تجاه أبنائهم، فهم ليسوا فقط من يوفرون المأكل والمشرب، بل هم أيضًا مصدر السكينة والدعم العاطفي، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» [متفق عليه]، وقال أيضًا: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [رواه الترمذي].

 

وهذه الأحاديث تؤكد أن العطاء الحقيقي يبدأ من داخل الأسرة، وليس من خارجها، وأن الإحسان للأبناء والبنات هو من أعظم القربات إلى الله، وليس فقط الإحسان للغرباء. لذلك، لا شك أن شعورك له ما يبرره من منظور شرعي وإنساني، فأنت تبحث عن حقك العاطفي والمعنوي قبل أن تبحث عن أي شيء آخر.

 

ثالثًا- كيف تتعامل مع هذه المشاعر دون أن تستهلكك؟

 

1- لا تجعل الإحباط يُضعفك:

 

الأفكار السلبية والوساوس التي تراودك حول كونك مصدر إزعاج أو حتى حول نسبك هي من مداخل الشيطان، فاحذر أن تستسلم لها. الله -سبحانه وتعالى- خلقك لحكمة، وجعلك في هذه العائلة لحكمة، وهو وحده الذي يعلم الخير لك في ذلك. قال تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216]. فكل إنسان في حياته ابتلاء، وربما يكون هذا أحد ابتلاءاتك، فلا تجعله يُحبطك أو يُثقل روحك.

 

2- لا تقارن حياتك بحياة الآخرين:

 

أحيانًا، المقارنات التي نقوم بها –خصوصًا عبر وسائل التواصل أو عند رؤية زملائنا مع آبائهم– تزيد من إحساسنا بالنقص والحرمان. لكن لا أحد يعرف ما يدور داخل البيوت، وما قد تراه من سعادة قد يخفي وراءه ألمًا آخر. فبدلًا من التركيز على ما ينقصك، ركّز على ما لديك، واستثمر في بناء ذاتك.

 

3- هل تصارح والدك؟

 

الصراحة قد تكون حلًا، لكنها تحتاج إلى أسلوب حكيم. اختر وقتًا مناسبًا، وعبّر عن مشاعرك بهدوء دون لوم أو عتاب مباشر. ربما تقول مثلًا: «أبي، أحيانًا أشعر أنني لا أجد منك الدعم كما يجده الآخرون، وأحتاج إلى أن أسمع منك كلمات تشجعني وتدفعني للأمام. وجودك بجانبي بالكلمة الطيبة يكفي، وأنا لا أطلب منك إلا أن تشعر بي أكثر».

 

مثل هذه العبارات قد تفتح باب الحوار دون أن يشعر والدك بأنه متهم أو مذنب.

 

4- ابحث عن تعويض عاطفي في مصادر أخرى:

 

إذا لم يكن من الممكن تغيير سلوك الأهل، فمن المهم أن تجد مصدرًا آخر للدعم، سواء من أخٍ، أو قريب، أو صديق، أو حتى معلم تثق به. لا بأس في أن تبحث عن السند العاطفي خارج إطار العائلة، طالما أن ذلك يساعدك على المضي قدمًا.

 

5- حافظ على صحتك النفسية والجسدية

 

ما تعانيه من قولون عصبي هو نتيجة واضحة للتوتر الذي تمر به؛ لذا من المهم أن تحاول تهدئة نفسك من خلال ممارسة الرياضة، والتأمل، وقراءة القرآن، والابتعاد عن كل ما يزيد من الضغط النفسي عليك. قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. فخصص وقتًا يوميًّا للقرآن والأذكار، فإن لهما أثرًا عجيبًا في تهدئة النفس وطمأنة القلب.

 

وختامًا -ولدي الغالي- قد لا يكون لديك القدرة على تغيير والديك أو الحصول على ما تريده منهم؛ لكنك تستطيع التحكم في ردة فعلك تجاه ذلك. تذكر أن الحياة ليست عادلة دائمًا، ولكننا لسنا مجبرين على الاستسلام للألم. كن قويًّا، وركّز على بناء مستقبلك، ولا تدع هذه المشاعر تُحبطك أو تعيقك.

 

ثق بأن الله يرى ويسمع، وأنه لا يضيع أجر من أحسن عملًا. فإن لم تجد الحنان في الدنيا، فإن الله يعوضك عنه برحمته وكرمه، في الدنيا والآخرة.

 

أسأل الله أن يشرح صدرك، ويبدل حزنك سكينة، وأن يرزقك سعادة تملأ قلبك من حيث لا تحتسب، ولا تنسَ أن الخير الذي تزرعه اليوم ستراه في مستقبلك وفي أبنائك يومًا ما، فكن الأب الذي تمنيت أن يكون والدك لك.

 

حافظ على يقينك بأن الله لا يترك أحدًا وحيدًا، فالله أقرب إلينا من حبل الوريد. وتابعنا بأخبارك.

 

الرابط المختصر :