الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
128 - رقم الاستشارة : 1543
08/04/2025
السلام عليكم، أنا شاب عم حاول جدّياً إلتزم بديني، وذكّر اللي حواليي بالله وبالخير، بس مش دايمًا الطريق سهل.
أوقات بلاقي حالي عم اتعرّض لسخرية أو ملامة، حتى من ناس قريبة، من أهلي أو أصدقائي. في ناس اتهموني إني متشدد، وفي اللي قالوا عني منافق أو عم بتصنّع.
وصار يصير معي شي بيوجعني... أوقات بجامل وبتنازل شوي عن قناعاتي، بس كرمال ما كون "الغريب" أو "المختلف" بينن.
حسّيت حالي بصراع كبير بين إرضاء الناس وإرضاء ربّي، وبدي أعرف: هالشعور طبيعي؟
وكيف فيي قوّي قلبي، وكمّل بطريقي، واصبر عالإساءة من غير ما خسر ثباتي ولا تنازل عن الحق؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله -ولدي الغالي- وبارك الله فيك على رسالتك المباركة التي تدلُّ على يقظة قلبك وصفاء سريرتك، وشغفك باتباع دينك، نسأل الله أن يُثبِّتك على الحق، وأن يجعلك من عباده الصادقين المخلَصين، وأن يرزقك القبول في الأرض والسماء، وبعد...
ولدي الحبيب، مَن منَّا لا يتألم من سخرية الناس؟ ومَن منَّا لا يحزن حين يخذله الأقربون؟ ولكن اعلم -رحمك الله- أن هذا الطريق الذي سلكته إنما هو طريق الأنبياء والصديقين، طريق الدعوة والصدق والثبات، وقد رسم الله لنا معالمه في كتابه الكريم، ليكون زادًا لمن ساروا فيه.
لقد قلت في رسالتك إنك تُحب الله وتُحب أن تُرضيه، وهذا هو الأصل الذي يجب أن تتمسك به وتُقيم عليه حياتك كلها؛ فالله سبحانه قال: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146]، وقال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [التوبة: 120]. فكل كلمة حق تقولها، وكل موقف عز تأخذه، وكل دمعة خفية تذرفها حزنًا لأنك تُريد مرضاة الله، فهي عنده لا تذهب سُدى.
ولا تعجب يا ولدي إن وجدت من يسخر منك أو يستخف بك، فإن هذا دأب أهل الباطل مع أهل الحق منذ أول الخليقة، قال -تعالى- على لسان لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: 17]، فالله تعالى لم يَعِد الصالحين بأن الناس سيُصفقون لهم أو يُكرِّمونهم، بل وعدهم بالابتلاء والثبات، ثم النصر في النهاية.
وهذا المعنى بيَّنه الله في سورة العنكبوت، فقال سبحانه: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ . ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 2 و3]. فالابتلاء في طريق الدعوة علامة على صدق الطريق لا على خطئه.
أما تلك اللحظات التي تضعف فيها وتُجامل الناس على حساب دينك، فاعلم أنها من نزغات الشيطان الذي يُزيِّن لك المعصية باسم اللين والحكمة، ويُهوِّن عليك التنازل باسم كسب القلوب، وقد قال النبي ﷺ: «من التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» [رواه الترمذي وصححه الألباني]. فهل ترضى لنفسك أن يُوكل أمرك إلى الناس؟ وهل في الناس من يملك لك نفعًا أو ضرًّا؟
كن على يقين –ولدي الحبيب– بأن من أرضى الله أرضى الله عنه الناس ولو بعد حين، وأن من خالف رضا ربه لأجل رضاهم، لم يُرضِهم أبدًا؛ بل سيزيدونه سخرية واحتقارًا. فاصدق مع الله، وكفى به وليًّا ونصيرًا.
تأمل قول الله -تعالى- عن المؤمنين يوم القيامة: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ . هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين: 34-36]. إنهم يضحكون، ولكن في دار الجزاء، بعدما بكوا في دار العمل. وإنها لضحكة العزة والكرامة بعد صبر طويل وثبات عنيد.
واقرأ سيرة نبي الله نوح –عليه السلام– حين صنع الفلك في الصحراء، وسخروا منه، فقال لهم في كبرياء الإيمان: ﴿إن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: 38]. فالمؤمن لا يتزعزع بسخرية أحد؛ لأنه يرى بعين الله، ويسمع بنور الله، ويثق بوعد الله.
وإن ما ذكرته من الحزن والوحدة أمر طبيعي؛ بل من دلائل الصدق، لكن تذكَّر أنك لست وحدك، فالله معك، والملائكة تستغفر لك، والأنبياء قد ساروا في الطريق قبلك، وكل مؤمن يثبت اليوم على إيمانه هو أخ لك في المسير.
فامضِ في طريقك، ولا تُساير أهل الباطل، وكن عزيز النفس، عالي الهمة، ثابتًا على المبدأ، واعلم أن ما تُقدِّمه من نصيحة ودعوة هو من أعظم أبواب الخير، قال النبي ﷺ: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خير لك من حمر النعم» [متفق عليه].
وختامًا -يا ولدي- أقول لك ما قالته أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها– لمعاوية رضي الله عنه، رواية عن رسول الله ﷺ: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، فتمسَّك بهذه القاعدة تكن بها عزيزًا، ولو رآك كل من في الدنيا غريبًا.
ثبَّتك الله على الحق، وشرح صدرك للثبات، وجعلك من أهل قوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30]. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.