Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. مسعود صبري
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 38
  • رقم الاستشارة : 1131
25/02/2025

هل يمكن للإنسان أن يصل لمحبة حقيقية لله ورسوله طالما أن في نفسه شيئًا ولو بسيطًا من حب الدنيا ومباهجها؟ كيف يمكن الوصول للمحبة التي أعلنها عمر بن الخطاب في قوله للرسول: «الله ورسوله أحب إليَّ من نفسي»؟

الإجابة 25/02/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

 

الأخت الفاضلة..

 

جاءت نظرة الإسلام للإنسان مختلفة عن العقائد الأخرى، فلا هي إغراق في المادية، ولا هي تعذيب للنفس في التوغل في الروحانيات دون الاهتمام بالجسد، فجاء الإسلام متكاملاً شاملاً، يجمع بين الربانية بما فيها من الروحانية، والإنسانية، بما في ذلك الاهتمام بأمور الإنسان الدنيوية.

 

وجماع ذلك كما قال أحد الصالحين: «ألا تكون الدنيا في قلبك، ولو كانت في يدك».

 

كما أن ضابطها ألا يقدم الإنسان شيئاً من أمر الدنيا على أمر الله تعالى، مصداقاً لقوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24].

 

فإن كان هناك أمر الله وشهوة للنفس، قدِّم أمر الله، وكذلك الحال إن كان هناك أمر لغير الله، فيُقدم أمر الله تعالى، مصداقاً لقوله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51]، سواء أكان هذا الحكم في القضاء، أم في الأمور الفردية أو الجماعية، فالمطلوب تقديم أمر الله على كل أمر.

 

ومن عظيم أمر الإسلام أنه جعل الأمور الدنيوية إذا فعلها الإنسان بنية صالحة، يثاب عليها، فتدخل في أمر الدين والأجر والثواب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «واللقمة تضعها في في (أي فم) امرأتك، لك بها صدقة»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة».

 

فليس عندنا في الإسلام انفصالية بين الدين والدنيا، فالإسلام دين ودنيا، كما أشار القرآن الكريم: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163].

فيمكن أن يكون الإنسان محباً لله ورسوله، وله نصيب من الدنيا، فما دام حلالاً، لقوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 32].

 

ولعل مما يشير إلى هذا التكامل في الإسلام، حديث الثلاثة الذين أتوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فكأنما تقالوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: فأقوم ولا أرقد، وقال الثالث: وأما أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج، فأخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم بهذا، فقال لهم: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما إني أخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فهذه سُنتي، ومن رغب عن سُنتي فليس مني».

 

فالضابط في هذا أن يكون الإنسان في المباح الذي أتاحه الله له، ولا تنافي بين حب الله، ورغبات النفس فيما أحل الله.

 

نسأل الله تعالى أن يجعل الآخرة همنا، وأن نكون من أبنائها، وأن يرزقنا الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا.. اللهم آمين.