الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
67 - رقم الاستشارة : 980
15/02/2025
السلام عليكم أستاذي الفاضل.. أنا متزوجة حديثا، ورمضان المقبل سيكون أول رمضان لي مع زوجي، وأرجو أن تدلني على أفضل الأعمال في هذا الشهر الكريم، وخاصة منها التي تساعدني على بناء أفضل أسرة يحبها الله ورسوله. وشكرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أختي الكريمة، بارك الله لكِ في زواجكِ وأسعدكِ في حياتكِ الجديدة، وجعل بيتكِ عامرًا بالطاعة والإيمان، وبعد...
فإن سعادتكِ في هذا الشهر الفضيل ستكون مضاعفة بإذن الله، فهو أول رمضان لكِ وأنت زوجة، وسيكون لك فرصة ذهبية لتأسيس بيتٍ مبارك تسوده المودة والتقوى.
إن رمضان ليس مجرد موسم للطاعة الفردية، بل هو مدرسة لبناء النفوس وتوجيه القلوب نحو الله، وهو أيضًا فرصة عظيمة لتأسيس حياتكِ الزوجية على قواعد متينة من الإيمان والعمل الصالح.
وسأحاول –مستعينًا بالله- أن أرشدك في السطور التالية إلى بعض الأعمال التي تعينكِ على تحقيق ذلك، وأسأل الله أن ينفعكِ بها.
أولًا- التخطيط المشترك لاستثمار رمضان:
قبل أن نبدأ في ذكر العبادات والأعمال، من الضروري أن تجلسي مع زوجكِ في بداية الشهر، وتضعا أهدافًا واضحة لاستثماره؛ فالتخطيط الجيد يساعد على تحقيق الفائدة القصوى من أيامه ولياليه.
فحدّدا أهدافًا، مثل:
* صلاة التراويح يوميًّا في المسجد.
* قراءة جزء من القرآن يوميًّا.
* الحفاظ على أذكار الأحوال المختلفة (الأكل، الشرب، النوم... إلخ).
* قراءة كتاب في السيرة أو التفسير طوال الشهر.
* التصدق بمبلغ معين.
* صلة الأرحام يوميًّا أو أسبوعيًّا، بالوسائل المختلفة.
* التخلص من عادة سلبية أو اكتساب خلق جديد (مثل: الصبر، التواضع، الصدق، السعي في قضاء حوائج الناس).
اكتبا هذه الأهداف على لوحة، وعلِّقاها في مكان واضح لتكون تذكيرًا مستمرًّا وتحفيزًا للمثابرة.
ثانيًا- بناء الإيمان أساسًا للأسرة:
لا شك في أن البيت المسلم يقوم على الإيمان، ورمضان فرصة لتعميق هذه الروح من خلال العبادات المشتركة:
1- قيام الليل وصلاة التراويح معًا:
اجعليها عادة يومية، فقد قال النبي ﷺ: «مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ» [رواه البخاري].
واحرصا على أداء ركعتي تهجد في وقت السحر، والدعاء معًا؛ فالأسرة التي تجتمع على الطاعة يباركها الله.
2- مأدبة القرآن اليومية:
اجعلي القرآن محور يومكما، من خلال تلاوته وتدبره، فرمضان شهر القرآن، قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى والْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]. فاجتمعي مع زوجكِ على قراءة ورد يومي من القرآن، واستمعي أثناء قيامكِ بالأعمال المنزلية إلى تلاوات أو محاضرات نافعة.
3- التفقّه في أحكام الصيام:
من الضروري أن تتدارسي مع زوجكِ فقه الصيام، وأحكامه، وسننه، فهذا مما يصح به الصوم، وكان الصحابة يحرصون على العلم والعمل معًا.
4- الدعاء المشترك:
ورمضان أيضًا شهر الدعاء، فحدِّدي مع زوجكِ أوقاتًا معينة للدعاء، وألحي في طلب أن يبارك الله في زواجكما، ويجعله سببًا في دخولكما الجنة، فقد قال ﷺ: «الدُّعاءُ هوَ العبادةُ» [رواه الترمذي].
ثالثًا- تعزيز المودة والرحمة في الأسرة:
الحياة الزوجية الصحية والسليمة، تقوم على الحب والمودة والرحمة، وهي أمور يعززها رمضان بروح الصبر والتسامح، وهذا يتأتى عن طريق:
1- الرفق والإحسان في المعاملة: قال النبي ﷺ: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي» [رواه الترمذي].
فاجعلي شهر رمضان فرصة لزيادة التقارب العاطفي بينك وبين زوجك، بالكلمات الطيبة، والتقدير، والتعاون في أمور البيت، واحتساب ذلك عبادة.
2- تجنب الجدال والغضب: قال النبي ﷺ: «فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ» [رواه البخاري].
فتحكّمي في أعصابكِ، وتجنّبي الجدال، واستبدلي به الصبر واللين، حتى يصبح بيتكما واحة للسكينة.
رابعًا- استثمار رمضان في العطاء والبذل:
ورمضان أيضًا شهر الكرم والجود، فاجعليه فرصة لتعليم نفسكِ وزوجكِ البذل والكرم، عن طريق:
1- الصدقة والإحسان: فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أجودَ الناسِ بالخيرِ، وكان أجودَ ما يكون في شهرِ رمضانَ» [رواه البخاري].
فخطِّطا معًا للتصدق بانتظام، سواء بإعداد الطعام للفقراء، أو الصدقة المباشرة بالمال، أو المساهمة في عمل خيري، فهذا يزيد البركة في حياتكما.
2- صلة الرحم والتواصل مع الأهل: خصِّصا وقتًا أسبوعيًّا لصلة الأرحام، حتى ولو باتصال بسيط، أو زيارة سريعة، فهذا من أعظم القربات، قال النبي ﷺ: «من أحب أن يُبسَط له في رزقه، ويُنسَأ له في أثره، فليصل رحمه» [متفق عليه].
3- الابتعاد عن الملهيات:
لا تجعلا التلفاز يسرق منكما ساعات رمضان الغالية، بل احرصا على اختيار البرامج النافعة فقط، وتجنبا إضاعة الوقت في المكالمات الطويلة أو الجلسات غير المفيدة.
4- التوازن بين الواجبات:
كثير من النساء يقضين معظم نهار رمضان في المطبخ، لكن التوازن مطلوب، فلا تضيِّعي الأوقات الثمينة في إعداد الولائم، وكوني من المقتصدين، واحرصي على استثمار وقتك الاستثمار الأمثل، موازنةً بين الواجبات.
وختامًا، أختي الكريمة، رمضان فرصة لبناء حياة زوجية قائمة على طاعة الله والمحبة والمودة، فلا تدعي أيامه تمر دون أن تجعلي بيتكِ بيتًا يحبّه الله ورسوله. اجعلي من كل لحظة فيه طاعة، ومن كل عمل فيه سببًا لرفع درجاتك عنده سبحانه.
أسأل الله أن يبارك لكِ في زواجكِ، ويرزقكِ السعادة في الدنيا والآخرة، وأن يجعل بيتكِ من البيوت التي يرضاها، ويكون منارة للخير. تابعينا بأخباركما، وأدام الله عليكما العافية والسرور.