22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د رمضان فوزي
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 23
  • رقم الاستشارة : 1092
20/02/2025

بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عيكم ورحمة الله وبركاته.. إخوتي الأعزاء، أشكر لكم أن سمحتم لي بقص مشكلتي في هذا الوقت المتأخر الذي كادت رأسي أن تنفجر فيه من كثرة التفكير. تعرفت على شاب عبر الشات، ولم يكن لي حديث كثير على الشات مع الشباب، لكنه القدر. وأعجب بي إعجابا شديدا، وأراد رؤيتي، فجعلته يراني في إحدى مناسبات العائلة من بعيد ودون أن يحدثني، وقرر أن يتقدم لي بعد أن عرض لي بالخطبة. وجاء هو وأهله، وكانت الأمور على ما يرام؛ فهناك توافق واضح بين الأسرتين، لكن والده لم يعطنا الرد القاطع، تظاهر بالموافقة لكنه لم يتكلم في شيء، وأخذ يماطل في الرد، وفي هذه الفترة كنت أتحدث مع خطيبي هذا -باعتبار ما سوف يكون-، وتعلقت به تعلقا شديدا، وهو كذلك.

 

وبعد كل هذا التعلق صارحنا أبوه برفضه التام لإتمام هذا الزواج ودون إبداء أي أسباب سوى أننا قد تعارفنا عبر الشات. وبذل هو كل المحاولات لإقناع أبيه غير أنها باءت بالفشل، وفي أثناء تلك المحاولات كان تعلقنا ببعضنا قد ازداد لدرجة غير معقولة. وبينما كنا نفكر في الانفصال أو الصبر حتى يأتي الله بأمره، مرضت بنت خالي وصاحبتي الصالحة، وأختي في الله، مرضا مفاجئا وشديدا، وصاحبتها في رحلة مرضها انتقالا من مستشفى لآخر. فأجلنا فكرة الانفصال لأن حالتي كانت سيئة للغاية، وكانت مواساته لي تشد من أزري، في مصيبتي. وظللنا هكذا حتى توفيت بنت خالي، فزاد بنا الحال- أنا وهو- سوءا، حتى اقتربنا من الزنا، لكننا تبنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وصمنا وجاهدنا أنفسنا، وتركنا بعض لمدة، لكنا عدنا في شوق أكثر، وهو الآن يحاول إقناع أهله لكن الأمر قد يطول لا نعلم إلى متى؟

 

والمشكلة أن أهلي لا ينظرون إلى أمر عفتي باكتراث؛ فهم يرفضون من يتقدم لي دون سؤال عنه؛ وبحجج واهية، لأنهم مثلا مشغولون، أو لا وقت عندهم لمقابلته، فهم لا يهتمون بي، تزوجت أو لا! وأنا الآن أخشى على نفسي بشدة من الوقوع في الزنا أو حتى مقدماته، ويعلم الله تعالى أني أخشاه وأخافه، ولا أرضى أن يكون عليّ غاضبا، ولو كنت أستطيع أن أعف نفسي بأي زواج غير من أحب قلبي إرضاءً لربي وعفةً لنفسي لفعلت، وتركت حب العبد من أجل حب الرب. وللأمانة فقد فكرنا في الزواج العرفي الموثق، كما فكرنا بالذهاب لأي بلد عربي للعمل والزواج هناك، ووضع أهلنا أمام الأمر الواقع. ونحن في حيرة شديدة، ولا ندري ماذا نفعل. أريد منكم النصح جزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابة 20/02/2025

أختي الكريمة،

 

أهلا ومرحبا بك، ونشكر لك ثقتك فينا، ونسأل الله أن نكون أهلا لهذه الثقة.

 

واسمحي لي –أختي- أن أقف معك بعض الوقفات:

 

أولى هذه الوقفات:

 

أنني أشعر فيك بروح إيمانية عالية تحتاج إلى استثمار لتتحول إلى طاقة فاعلة وعاصمة عن المعاصي، تتضح هذه الروح في قولك: "ويعلم الله تعالى أنى أخشاه وأخافه، ولا أرضى أن يكون علي غاضبا، ولو كنت أستطيع أن أعف نفسي بأي زواج غير من أحب قلبي إرضاء لربى وعفة لنفسي لفعلت، وتركت حب العبد من أجل حب الرب".

 

فما أسمى أن يسعى الإنسان لتحصيل حب ربه حتى ولو كان هذا على حساب كل الدنيا، ولله در القائل:

 

فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب

 

ولكن اعلمي أختي أن محبة الله عز وجل تتحصل بالائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، ومن أوامره عز وجل أن جعل للعلاقة بين الجنسين ضوابط وحدودا، ومن حكمته سبحانه أن جعل بين الجنسين ميولا عاطفية وجسدية، وعلى قدر الصبر على هذه الميول وضبطها بضوابط الإسلام يكون الأجر من الله عز وجل؛ فكيف تثبت محبة الله في قلب العبد دون أن يختبر هذا الحب؟. وصدق من قال:

 

تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع

 

أختي، اعلمي أنك تجاوزت هذه الضوابط الإسلامية في علاقتك بهذا الشاب، حين سمحت لنفسك أن تحدثيه على الشات؛ فهذه خلوة -حتى وإن كانت عن بعد- ربما تفوق في بعض الأحيان الخلوة الحقيقية في المكان، ثم أنت تحاولين تسويغ ما حدث وتبريره لنفسك حينما ألقيته على شماعة القدر فقلت: "ولم يكن لي حديث كثير على الشات مع الشباب.. لكنه القدر"!!.

 

هل القدر هو السبب في كل معاصينا وما اقترفته أيدينا؟ اقرئي إن شئت قول الله عز وجل: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.

 

ثم تتمادين في العلاقة معه وتعطين لنفسك المبرر مرة أخرى بأنك زوجة المستقبل!! حتى تعلقت به تعلقا شديدا، وهو كذلك، على حد قولك.

 

ثم تتركين لنفسك العنان، وتتحللين من كثير من الضوابط حتى اقتربتما من الزنا، وتبررين ذلك أيضا بسوء حالتك بعد وفاة ابنة خالتك، وكأن الله عز وجل أنزل البلاء لنعصيه ونتخذه مسوغا لاقتراف السيئات؟!

 

إن الإنسان وهو في حالات الضيق والبلاء يكون أشد قربا ولجوءا إلى الله عز وجل، فضلا عن أنه أوجد لك فرصة للاتعاظ والعودة إليه وهو وفاة ابنة خالك الحبيبة إليك.

 

عليك أختي أن تثبتي حبك لله -عز وجل- بأن توقفي علاقتك بهذا الشاب، وأن تلجئي إلى الله تعالى وتدعيه قائلة: "اللهم ما رزقتني مما أحب؛ فاجعله قوة لي فيما تحب".

 

الوقفة الثانية:

 

احذري أختي أن تسوغ لك نفسك التمادي في هذه العلاقة، والإقدام على ما فكرتما فيه مما سميته أنت "الزواج العرفي الموثق"!! أو الهروب إلى بلد آخر للزواج هناك على غرار ما يحدث في الأفلام السينمائية.

 

واعلمي أنك إن فعلت هذا فسوف تفقدين كل شيء؛ وأول شيء هو احترامك وتقديرك لنفسك، ثم أهلك وتعاملهم معك، ثم أهل زوجك ونظرتهم لك على أنك "خطفت" ابنهم منهم، ثم نظرة المجتمع الذي لا يرحم، وأخيرا -وهذا هو المهم- نظرة زوجك لك بأنك ضحيت بأهلك، حتى وإن كان به هو، وتعامله معك بعد ذلك الذي سيكون مشوبا بالتذكير بهذا الفعل في كل نقاش أو خلاف بينكما.. فهل تقبلين بهذا وأنت المسلمة المثقفة الحاصلة على الماجستير؟.

 

الوقفة الثالثة:

 

أراك الآن تتساءلين، وماذا لو أننا فعلا تبنا وابتعدنا عن بعضنا أنا وهذا الشاب؛ ألم يفتح الله عز وجل باب التوبة لعباده؟ أليس من حقنا أن نتزوج كأي اثنين آخرين؟. أقول لك: إن باب التوبة مفتوح من الله عز وجل؛ فهو سبحانه يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويمحو ما كان.

 

ولكن الإنسان إذا فتح باب التوبة لأخيه الإنسان فإنه يكون مشوبا بتلوثات الماضي؛ فإذا تزوجت هذا الشاب فاعلمي أن حياتكما ستكون مربوطة دائما بماضيكما معا؛ فنفسه وشيطانه سيحدثانه دائما بأن من سمحت لنفسها بأن تقيم علاقة معه ستسمح لها بان تقيم علاقات مع آخرين، وستطارده هذه الهواجس بعد ذلك كلما رآك جالسة على النت، أو تتحدثين مع أحد، وسيضع كل تصرفاتك تحت المجهر دائما.. فهل ستطيقين ذلك؟!.

 

الوقفة الرابعة والأخيرة:

 

يجب أن يضع الإنسان دائما أمامه كل الاحتمالات الممكنة ويفكر فيها؛ فاسمحي لي أن أطرح عليك سؤالا ربما يكون قاسيا عليك بعض الشيء وهو: لماذا تثقين كل هذه الثقة في حب هذا الشاب وإخلاصه لك؟!. ألم يتطرق إلى تفكيرك أنه كما فعل معك هذا فربما تكون له علاقة مع أخريات؟ حتى وإن كان من باب "التسلية" كما هو حال كثير من شبابنا اليوم؟.

 

ومن باب الاحتمالات أيضا، يطاردني تساؤل عن والده: لماذا وافق من البداية على المجيء إليكم وهو يعلم بطبيعة علاقتكما "الشاتية"، ثم تراجع بعد ذلك؟! ألا يوجد احتمال أن هناك شيئا آخر جعله يتراجع واتخذ موضوع الشات ذريعة لذلك؟. وأترك لك التفكير في هذه التساؤلات بينك وبين نفسك.

 

وأخيرا أختي؛ وأوصيك بتقوى الله عز وجل؛ فهي ملاك الأمر وهي الطريق لكل خير، الجئي لربك وادعيه أن يقدر لك الخير حيث كلن ثم يرضيك به، وألحّي عليه دائما {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.