الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
51 - رقم الاستشارة : 2912
08/10/2025
أنا أم لولد عنده ٣ سنوات، وزوجي مسافر شغل برا من فترة طويلة وبقينا ساكنين مع أهل زوجي. جنبي حضانة كويسة قريب من البيت وعايزة أدخّل ولدي فيها لأنّي شايفة إنه محتاج اختلاط مع أطفال، حاجات تنمِّي لغته ومهاراته، ويأخذ روتين، وكمان أنا أضطر أطلع أحيانًا لأشغل شغل أو أرتاح شوية علشان أرتب أموري.
المشكلة إن حماتي رافضة خالص ومش بتقبل إن الطفل يدخل حضانة. كل ما أتكلم معاها تقول لي: "إنتي عايزة تروحي وترتاحي وتسيبيه لغيرك"، وتتهمني إني هتساهل في تربيته أو إني هفقده من تربيتي. كمان بتحكي للناس إنّي مش أم ملتزمة، وده بيزعلني جدًا وبيعمل جو مش مريح في البيت.
أنا مش قادرة أقنعها ولا أعرف أتكلم معاها إزاي من غير ما يحصل مشاكل أو شجار مع أهل زوجي، وزوجي مش موجود يساعدني بكلامه دلوقتي. كمان خايفة إن رد فعلها يخوف الولد أو يخليه يرفض الحضانة حتى لو أنا اهتميت بأمره.
أنا محتاجة نصيحة عملية: إزاي أقنع حماتي بأهمية الحضانة لطفلي من غير ما أجرحها أو أغضب أهل زوجي؟ وهل أبدأ تدريجيًا بمواعيد قصيرة؟ ولا أستنى زوجي يرجع ويتكلم؟ وإيه الحاجات اللي أقدّمها لها علشان تطمن (زي شهادات، زيارة الحضانة معًا، رأي دكتور أطفال...)؟
عزيزتي الأم الجميلة، أسعدني وعيك وحرصك على تنشئة طفلك تنشئة تربوية سوية، وسعيك للبحث عن الأفضل له تربويًّا ونفسيًّا، وهذا إن دل، فإنه يدل على نضج أمومي عالٍ (Parental Maturity) وشعور عميق بالمسؤولية، فبوركت نيتك الصالحة.
دعيني أولًا أُطمئنك أن ما تمرّين به من اختلاف في وجهات النظر التربوية بينك وبين والدة زوجك هو أمر شائع جدًّا في البيئات ونظام الأسرة الممتدة (Extended Family System)، خصوصًا عندما تكونين وحدك دون زوجك، فالمعادلة تصبح حساسة وتتطلب مزيجًا من الحكمة، والتوازن الانفعالي، والذكاء الاجتماعي Social Intelligence.
فهم موقف الحماة
أولًا: لنتفهم معًا موقف الحماة من منظور نفسي تربوي:
ما يظهر من رفضها ليس بالضرورة رفضًا للحضانة ذاتها، بل خوف ضمني (Implicit Fear) من أن تفقد دورها في تربية حفيدها، أو أن تشعر بأنكِ تحاولين إبعاده عنها وعن البيت.
وفي علم النفس الأسري نسمي هذا الشعور Fear of Role Displacement، أي الخوف من فقدان الدور التربوي أو مكانتها في العائلة.
كما أن الأجيال الأكبر تربّت على فكرة أن الطفل حتى سن المدرسة يجب أن يظل في حضن أمه وجدّته، وأن "الخروج المبكر" من البيت قد يؤثر سلبًا على القيم أو الأخلاق. إذًا، نحن أمام صدام قيمي (Value Conflict) وليس عنادًا شخصيًّا، ومن هنا يأتي العلاج الهادئ لا المواجهة.
أهمية الحضانة
ثانيًا: من منظور علم النفس التربوي (Educational Psychology):
في سنّ الثالثة، يكون الطفل في مرحلة نسميها Pre-school Socialization Stage، أي المرحلة التمهيدية لتكوين مهارات التفاعل الاجتماعي والتواصل اللغوي.
إلحاقه بالحضانة الجيدة ليس رفاهية، بل هو خطوة لتنمية أشياء كثيرة يحتاجها، مثل:
- المهارات الاجتماعية (Social Skills) مثل المشاركة والانتظار والتعاون.
- المهارات اللغوية وتطوير اللغة (Language Development) من خلال التفاعل اللفظي مع الأقران.
- وكذلك الاستقلال الذاتي، وهي من مراحل النمو النفسي التي تحدث وفق نظرية إريكسون Erikson’s Stages of Psychosocial Development.
كما أن الطفل في هذا العمر يبدأ في تكوين ما يسمى الإحساس بالكفاءة (Sense of Competence)، أي شعوره بأنه قادر على إنجاز مهام صغيرة دون الاعتماد الكامل على الأم، وهذا يهيئه للمدرسة مستقبلًا بثقة ومرونة.
كما أن ديننا الحنيف دعا إلى التوازن في الرعاية؛ إذ قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.. وهذه الآية الكريمة تذكّرنا بأن التربية مسؤولية جماعية تقوم على الرحمة لا على السيطرة أو الإقصاء.
كما أن الإسلام لم يمنع طلب العون في تربية الطفل، بل أقرّ التعاون على البر، فقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وإدخال الطفل الحضانة لا يعني التخلّي عن التربية، بل هو تعاون تربوي هادف بين الأسرة والمجتمع.
خطوات عملية للإقناع
ثالثًا: إليك خطوات عملية لإقناع الحماة دون صدام إن شاء الله تعالى:
1- ابدئي بالاحترام لا بالإقناع المباشر:
فقبل أن تشرحي لها أمرًا، أظهري امتنانك لها بصدق على حبّها وحرصها على حفيدها. قولي مثلًا: "ربنا يخليكي لينا يا ماما، أنا مقدّرة خوفك وحرصك عليه، وعلشان كده نفسي نختار سوا الأفضل له"، فحين تبدئين بالثناء، يصبح عقلها مستعدًا لسماع الجديد.
2- شاركيها القرار لا النتيجة:
خذيها معك لزيارة الحضانة، شاهدي المعلمات أمامها، وتحدثي عن الأنشطة التعليمية. هذا يُحدث ما نسميهCooperative Decision-Making ، أي إشراكها في القرار لتشعر بالانتماء إليه.
3- قدمي لها أيضًا أدلة علمية ودينية:
يمكنك طباعة توصية من طبيب الأطفال أو أخصائي تربية حول أهمية الحضانة لنمو الطفل الاجتماعي واللغوي. فالدعم العلمي يهدّئ القلق ويحوّله إلى ثقة.
4- ابدئي بالتدرّج (Gradual Exposure):
دعي الطفل يذهب أولًا لساعات محدودة، ثم زيدي الوقت تدريجيًّا حتى يطمئن الجميع. هذا يُظهر لحماتك أن الطفل سعيد ومتطور دون ضرر، فيتحول الرفض إلى قبول تلقائي. (وإن وصلتِ إلى هذه الخطوة بسلام، فهنا أسأل الله لطفلك الهداية وأن يتقبل الحضانة ولا يبكي، حتى لا تتشدد حماتك وتُصر على رأيها).
5- تجنّبي الصدام اللفظي أو الدفاع الانفعالي:
لا تجادليها أمام الآخرين، فذلك يفقدك ما نسميه Authority Balance أي توازن السلطة داخل العائلة، ويزيد من حساسيتها تجاهك.
وأخيرًا غاليتي، تذكّري أن الطفل لا يحتاج فقط إلى تعليم مبكر، بل إلى جو آمن دافئ يشعر فيه بالحب المتبادل بين الكبار من حوله.
فإذا شعر بطمأنينة العلاقة بينك وبين جدّته، انعكس ذلك على توازنه النفسي وسلوكه، فحافظى على هذا الأمر، فالعلاقة الطيبة مع الحماة جزء من الأمن الأسري الذي يحتاجه طفلك لينشأ سويًّا ومتزنًا.
* وهمسة أخيرة:
كوني رحيمة في عرضك، ثابتة في قناعتك، ذكية في حوارك، وستجدين -بإذن الله تعالى- أن الحنان والرفق أبلغ في الإقناع من أي حجة منطقية.
روابط ذات صلة: