الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
69 - رقم الاستشارة : 2807
27/09/2025
يلاحظ أن كثيرًا من أفكار النسوية المتعلقة بالزواج تسرب بعضها إلى أفكار البنات والنساء فأصبح الزواج من وجهة نظرهن تقييدًا للحرية ومسؤوليات بلا ثمن، فكيف حدث ذلك؟
أخي الكريم، أتفق معك لقد تسربت بعض من مقولات النسوية بخصوص الزواج إلى وعي عدد غير قليل من النساء والفتيات وتأثرن بتلك المقولات، فأصبح الزواج من وجهة نظرهن قيدًا على المرأة يعيق من انطلاقها.
الزواج مؤسسة عتيقة
تذهب الكثير من النسويات إلى أن الزواج بات مؤسسة عتيقة عفا عليها الزمن، وغير صالحة للاستمرار في ظل التطورات القائمة، وأن الرجال والنساء يمكن أن يكون بينهم علاقات محبة طويلة الأمد دون الحاجة إلى ما يفرضه الزواج من قيود.
يلاحظ أن عددًا من النظريات النسوية يركز في الزواج على أوجه عدم المساواة بين الرجل والمرأة، ويشكك في أن الزواج يحمل قدرًا من الاستقلال للمرأة وبخاصة استقلالها الاقتصادي ومكانتها الاجتماعية.
ومن أهم الانتقادات الموجهة للزواج من منظور نسوي: هو حصره دور المرأة في العمل المنزلي، فبينما يشارك الرجال في الحياة العامة والإنتاجية في المجتمع، غالبًا ما تُحصر النساء في المجال الخاص والإنجابي، وهذا بنظر النسويات يُديم تبعية المرأة الاقتصادية لزوجها.
ومن الناحية الأخرى فإن الأعمال التي تقوم بها المرأة في المنزل تكون غير مدفوعة الأجر، بما في ذلك رعاية الأطفال وشؤون المنزل، ولا تحصل المرأة على مقابل مادي لتلك الأعمال؛ ما يرسخ من تبعيتها للرجل، رغم أن ما تقوم به يمكن أن يشكل دخلاً للمرأة من الناحية الاقتصادية، ولعل تلك الأفكار طرحتها النسوية من على أرضية ماركسية ورأت في الزواج مؤسسة للاستغلال الرأسمالي للمرأة.
ومما طرحته النسويات في رفض الزواج هو الزعم بأن الغرض الأساسي من الزواج كان ربط المرأة بالرجل، وضمان أن يكون أطفال الرجل هم ورثته البيولوجيون الحقيقيون، لكن النسويات يدعين حدوث انحراف في هذه الغاية ليصبح الزواج إخضاع المرأة لملكية الزوج، ويتجلى ذلك في إلحاق اسمها باسم عائلة زوجها، ومن ثم ترى نسويات أن الزواج نوع من العبث أن يبقى طرفان مع بعضهما بدافع القانون وليس بدافع الرغبة.
*رأت نسويات أن الزواج مصدر رئيسي لقمع المرأة، وأن فكرة تحسين الزواج من خلال تفكيك نظامه الأبوي لم تؤد إلى النتائج المرجوة، والواجب التخلي عن الزواج باعتباره مؤسسة غير جيدة.
*ومما طرحه الفكر النسوي أن الزواج لا يقدم مزايا للمرأة، وأنه يفرض معايير عليها، وبعض هذه المعايير يتمتع بحماية نصوص قانونية تقيد المرأة وامتيازاتها.
*وتدعي نسويات أنه مع التقدم التكنولوجي أخذت ميزات الذكور تتراجع، ككون الرجل هو الذي يتولى إعالة المرأة والإنفاق عليها، فمع خروج الكثير من النساء للعمل وقدرتهن على الكسب تراجعت تلك الميزة الذكورية، بل إن بعض النساء يحقق دخلاً أعلى من الرجل، ولذا يرفض أغلبهن المرور بتجربة الزواج ما دمن قادرات على الإنفاق على أنفسهن، ويروج بعضهن مقولة: "إن المرأة إذا حققت المال فإن أول ما تفكر فيه إخراج الرجل من حياتها".
*تزعم نسويات أن المرأة تعامل في سوق الزواج كسلعة لها ثمنها، وأن عليها في الزواج القيام بأدوار معينة ويوضع عليهن قيود واضحة بعد الزواج خاصة في الملبس والعلاقات الاجتماعية، وأنه مع الزواج تنتقل لوضع التبعية، لذلك ترفع بعضهن شعار "لا تتحدثي أبدًا عن الزواج كإنجاز".
حكم بالسجن مدى الحياة
الكثير من النسويات يرى الزواج مؤسسة معادية للمرأة، وأنه لم يصمم قط لمصلحة المرأة، وأن الرجال هم المستفيدون من الزواج، وهو ما أكده كتاب "لا أفعل: القضية ضد الزواج" للكاتبة النسوية "كليمنتين فورد" الصادر 2023م، وهو نقد لاذع للزواج والدعاية التي روجت له وأغرت النساء بالزواج، وتقول الكاتبة: "الزواج كذبة لا يمكن إصلاحها، صُممت لإبقاء النساء في خدمة النظام الأبوي، ومنعهن من تحقيق كامل إمكاناتهن. علينا رفضه رفضًا قاطعًا، ورفضًا مبدئيًّا".
وترى أن الدعاية الأبوية الذكورية تروج وتقنع النساء أن قيمتهن تتحقق من خلال الزواج، لكن الكاتبة تُجزم أن الزواج ضد مصلحة المرأة العصرية، وأن الزواج له تكلفته المادية والعاطفية والجسدية على المرأة، وأن الزواج حكم بالسجن مدى الحياة على المرأة.
الزواج عقد فطري
لقد تسربت بعض تلك الأفكار إلى واقع المرأة المسلمة، وباتت بعض الفتيات والنساء لا يرى في الزواج مكانًا للسكن والمودة ولكن كعقد يقيد حريتهن في الحياة ويفرض عليهن قيودًا، كما أن خروج المرأة لسوق العمل وتحصلها على الأموال جعلها تظن أنه لا حاجة لها في الرجل.
الرؤية الإسلامية للزواج هي رؤية إنسانية ترى في الزواج أنه فطري، وأن الرجل والمرأة كل منها يشكل أحد وجهي الإنسانية، وهو ما يفهم من قوله ﷺ "النساء شقائق الرجال"، فالزواج رباط مقدس، ولذا سمّاه القرآن الكريم "ميثاقًا غليظًا"، أي عهدًا قويًّا متينًا، يشبه عهد الأنبياء عليهم السلام مع الخالق سبحانه وتعالى.
يقول الإمام محمد عبده في تفسيره "المنار" عن هذا الميثاق: "وهذا ميثاق فطري من أغلظ المواثيق وأشدها إحكامًا، وإنما يفقه هذا المعنى الإنسان الذي يحس إحساس الإنسان.. إن أول شيء يخطر في بالها (أي المرأة) عند سماع مثل هذا القول أو التفكر فيه وإن لم تسأل عنه هو أنها ستكون عنده (أي الزوج) على حال أفضل من حالها عند أبيها وأمها، وما ذلك إلا لشيء استقر في فطرتها وراء الشهوة، ذلك الشيء هو عقل إلهي وشعور فطري أودع فيها ميلاً إلى صلة مخصوصة لم تعهدها من قبل، وثقة مخصوصة لا تجدها في أحد من الأهل، وحنوًا مخصوصًا لا تجد له موضعًا إلا البعل، فمجموع ذلك هو الميثاق الغليظ الذي أخذته من الرجل بمقتضى نظام الفطرة الذي يوثق به ما لا يوثق بالكلام الموثق بالعهود والإيمان".
روابط ذات صلة:
هل أثرت المادية على مفهوم الزواج؟
لماذا غابت ثقافة الستر في العالم الافتراضي؟