الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
14 - رقم الاستشارة : 3097
27/10/2025
هل هناك علاقة بين العقل والأمنيات، بمعنى هل كلما نضج العقل والفكر كانت أمنيات الشخص وأحلامه وآماله أقرب للمشاريع المستقبلية، وإذا كان قبل العقل كانت أمنياته أحلام لم تتحقق؟
أخي الكريم، الإنسان يحتاج إلى جهد لفهم ذاته، وتحقق هذا الفهم ذو فوائد متعددة تساهم في تجنيب الإنسان الكثير من الخطأ والخطر، كما أنها تحفزه على بذل الجهد الواعي، أما الجهل بالذات فهو أزمة يدفع الإنسان ثمنها الباهظ من ذاته ومستقبله.
من القضايا التي يجب أن يعيها الإنسان عن ذاته، كيف يدير العقل هذا الكيان الإنساني بأبعاده البدنية والنفسية والروحية، وإذا كان الإنسان ينظر إلى العالم من خلال ذاته، فمن الضروري أن تكون أدوات تلك الرؤية بعافية حتى تأتي النتائج إيجابية، وهو ما يفرض معرفة علاقة العقل بأمنيات الإنسان، وهل العقل هو صانعها أو حتى شريك في صناعتها، أم أنها مفروضة عليه من بيئته الخارجية، وبالتالي يصبح دور العقل هو التحفيز والتنفيذ؟
الأمنيات والاحتياجات
في أغلب الأحيان تكون الأمنيات انعكاسًا للاحتياجات، والاحتياجات قد تكون نفسية أو اجتماعية أو حياتية، ولذلك يسعى العقل الوعي لبناء جسر يمكن عبوره بين تلك الأمنيات والواقع لتحقيق تلك الأمنيات، وعلى قدر جودة التفكير والنجاح في قراءة الواقع بصورة جيدة وامتلاك الإرادة، فإن الحلم يتجسد في كيان مادي.
في دراسة أعدها فريق تحت إشراف عالمة النفس "غابرييل أوتينغن" حول آليات تحقيق الأمنيات، ربطت فيه بين أربعة متغيرات، هي: الحلم والحالم والخيال والعوائق، وبعد دراسة آلاف الحالات خلصت إلى أن الناس يتبعون أربعة أنماط لتحقيق أمنياتهم، وهي:
* الانغماس أو الاستغراق: حيث يقضي الشخص ساعات طويلة وممتعة نفسية في بناء تخيلات إيجابية عن تحقيقه لأمنياته وأحلامه.
* السكون الكامل: وفي ذلك النمط يستدعي الشخص كل العوائق الممكنة وغير الممكنة أمام عينيه، وذلك الاستدعاء كفيل بأن يفرض عليه حالة من السكون، فلا تظهر الأمنيات أمام العقل ولا في الخيال إلا ومعها العوائق، وهذا كفيل بملء النفس بالإحباط.
* التناقضات العقلية: وهو نمط يتخيل فيه الشخصُ المستقبل الذي يرغبه، لكن يسعى لاستكشاف العقبات التي تعترض تلك الأمنيات، وفي هذا الحالة يكون الحافز أعلى نسبيًّا من العقبات.
* استكشاف العقبات ثم تخيل المستقبل: وهذا النمط معاكس للنمط السابق، فالعقبة تكون حاضرة لكن الأمنية تعترض الفتور وضعف العزيمة الناتج من استحضار العقبات أولاً.
الأمنيات والرفاهية النفسية
الأمنيات الإيجابيات لها تأثيراتها النفسية الجيدة على الإنسان ورفاهته النفسية، حتى إن البعض الذين عاشوا بملء قلوبهم لتمنياتهم في خيالاتهم، عندما تحققت تلك الأمنيات في الواقع لم تؤد إلى نفس القدر من السعادة والبهجة التي أحسوا بها في خيالهم، تقول "غابرييل أوتينغن": "لإخراج الناس من خيالاتهم ومنحهم الطاقة لملاحقة أحلامهم، أدركنا أننا بحاجة إلى منحهم جرعة صحية من الواقع"، ويبدو أن هذا العلاج ضروري، حتى لا يطغى الخيال على العقل ويحجبه عن الواقع، ولذلك قال الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن الشخص الذي يتمنى ويغفل الواقع: "إياك والاتكال على المُنى، فإنها بضاعة الحمقى".
تقول الدراسة إننا في الكثير من الأحيان نتمنى ما نفتقر إليه، أي أن الاحتياجات تساهم بدور كبير في صناعة الأمنيات، والأهم أن الاستكشاف العميق للأمنيات يدفع الشخص إلى مقاومة كل عائق داخلي يمنعه من تحقيقها.
ومعنى هذا أن تغيير فكر الإنسان تجاه أهداف معينة قد يساهم في إصراره على تحقيقها، ومن هنا فللعقل والأفكار دور كبير في صناعة الأمنيات، والتحفيز على تحقيقها، ومقاومة أي عوامل تثبيط داخلي تعيق حركة الإنسان نحو تحقيق غاياته، وكما تقول الأبحاث: "وراء العوائق غالبًا ما تكون هناك مشاعر، ومعتقدات غير عقلانية، وعادات سيئة، أو تعقيدات قديمة نحملها معنا منذ سنوات".
تشير دراسات علم النفس إلى أن الأمنيات قد يكون لها دور إيجابي في مقاومة الاكتئاب والقلق والتوتر وتحسين الصحة النفسية وإمداد الإنسان بالقوة على مواجهة الشدائد والتغلب على العقبات خاصة إذا كانت الأمنيات واقعية ويمكن تحقيقها من خلال الجهد المبذول وفق خطة زمنية، فكما يؤكد خبراء التنمية البشرية أنه "حيث يوجد الاهتمام توجد الطاقة".
وحسب علم النفس فإن الأمنيات تلامس جوانب متعددة في علم النفس الإيجابي (هو أحد فروع علم النفس وهو يهتم بدراسة السعادة، والتفاؤل، ونقاط القوة في الشخصية)، فالأمنيات من جملة فوائدها أن تمنح الإنسان المعنى أن يكون إنسانًا، وتشكل رؤيته، وتساهم في جودة حياته لأنها تحفز الشغف والأمل وتمنح الإنسان الطمأنينة.
روابط ذات صلة:
أمنيات بلا قيود.. رغبات بلا حدود