الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
83 - رقم الاستشارة : 2715
18/09/2025
أتابع الكثير من الأخبار والحوارات على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن السحر وتأثيره على الإنسان، وسؤالي ليس عن الحكم الشرعي ولكن عن دور الثقافة والتقاليد في اعتقاد الناس في السحر؟
أخي الكريم، سؤالكم يتحدث عن أزمة ليست مقتصرة على مجتمع معين، ولكنها منتشرة في العالم، وهو سؤال مطروح في المجتمعات المتقدمة وغير المتقدمة على السواء.
وإذا كان بعض الناس في المجتمعات العربية تعتقد في السحر وتلجأ إليه سعيًا لإضرار من يكرهون، فإنه في المجتمعات الأفريقية حاضر بقوة في الموروثات الشعبية، أما في المجتمعات المتقدمة فمع منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ظهرت ديانة تؤمن بالسحر وانتشرت في الغرب.
السحر وعالم الأفكار
الاعتقاد في السحر هو أزمة مرتبطة بالعقل الإنساني، الذي لم يمتلئ بصحيح الاعتقاد، والذي يبحث عن يقين زائف ينظم له فوضى إدراكاته، أو سعي لتحصيل قوة خارقة يتغلب بها على خصومة، أو يحقق بها أحلامه، أو ينفذ بها إلى أعماق الغيب فيعرف ما سيحدث في الغد.
الاعتقاد في السحر يرجع جزء كبير منه إلى أفكارنا، وجزء آخر منه إلى التنشئة الاجتماعية التي تبث ذلك الاعتقاد منذ الصغر، وجزء منه إلى الرغبة في امتلاك قوة، أو ملء فراغ في فهم ظاهرة ما.
في دراسة بريطانية أنجزها عالم الاجتماع "يوجين سوبوتسكي" الذي درس المعتقدات السحرية لمدة تزيد على الأربعين عامًا، وتأثيرها على العقل والتفكير، ونشرت عام 2014م تحت عنوان "الإيمان بالسحر في عصر العلم" خلصت إلى عدة نتائج قد تساهم في تفسير إيمان الناس بالسحر، منها: أن الإيمان بالسحر يجد مكانه في العقل البشري، وأن مستوى التعليم قد لا يؤثر في مسألة الاعتقاد في السحر، فهناك أشخاص يعتبرون أنفسهم عقلانيين لكن إيمانهم بالسحر يكون كامنًا في أنفسهم لاعتبارات متعددة قد يرجع بعضها إلى التنشئة في الطفولة، وبعضها الآخر إلى عوامل متعددة منها إيمانهم بوجود قوى خارقة في الطبيعة، ويمكن التواصل معها والاستفادة من قوتها.
خلصت الدراسة كذلك إلى أنه في بعض الأحيان فإن الإيمان بالمعتقدات السحرية قد يعزز بعض الوظائف الإدراكية للإنسان مثل فهم بعض الأحداث والوقائع التي لا يستطيع العلم تفسيرها، ومن هنا فحسب تلك الدراسة فإن الاعتقاد في السحر يقع في تفاصيل حياة الناس اليومية.
وهم السيطرة
تذهب دراسات نفسية إلى أن اعتقاد بعض الناس في السحر يغلفه شعور وهمي بأن السيطرة، وأن السحر يكفل للشخص أن يستمد يد عون من قوى خارجة عن السيطرة والقدرة البشرية، وربما يوفر ذلك قدرًا من السكون الموهوم ويخفف التوتر الناتج عن عدم اليقين وعدم القدرة على تفسير بعض الأمور أو يوفر أملاً موهومًا لحالات من اليأس الشديد، ولهذا فإن طقوس السحر وتعويذاته حاضرة في المجتمعات البدائية وقليلة الوعي والتعليم وكذلك في المجتمعات التي يغيب فيها التدين الصحيح.
بديلاً عن الإيمان بالخالق
ورغم التطور العلمي والتكنولوجي في اللحظة الراهنة فما زال الإيمان بالسحر قائمًا في أوساط غير قليلة من المجتمعات، هذا الاعتقاد يذكرنا بما كان سائدًا في السابق، حيث كان السحر حاضرًا وجزءًا من الحياة اليومية في العصور الوسطى في أوروبا ، كما أن السحر حاضر في عدد من المجتمعات الأفريقية حاليا كجزء من الدين، حيث لا تفرق قبائل بين الدين والسحر وتعتبرهما شيئًا واحدًا، فكان السحر بديلاً عن الإيمان بالإله، أو وسيلة للحصول على مساندة القوى الغيبية، ولهذا كان السحر والتنجيم لهما مكانتهما في العالم القديم.
في دراسة للبرفيسور الأمريكي "بوريس غيرشمان" بعنوان "معتقدات السحر حول العالم: تحليل استكشافي" ذكر مجموعة من الحقائق الصادمة، منها أن نسبةً كبيرةً تبلغ 40% من سكان العالم في 95 دولةً مقتنعة بوجود السحرة. وتتفاوت هذه النسبة من بلدٍ لآخر: ففي تونس، تبلغ حوالي 90%، وفي ألمانيا 13% فقط.
ونشير إلى ظهور ديانة عام 1954 في المملكة المتحدة تؤمن بالسحر اسمها "ويكا" Wicca تمزج بين عبادة الطبيعة والسحر، وهو ما يمثل انتكاسًا للبشرية وعودة بائسة لتقاليد الوثنية.
روابط ذات صلة:
السحر والحسد وأثرهما على تفكك الأسر ودمار المجتمع