الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
34 - رقم الاستشارة : 3043
22/10/2025
نشاهد في احتفالات الموالد أعمالا كثيرة منافية للشرع وتدخل في دائرة الشرك، وسؤالي ليس عن الرأي الشرعي ولكن عن الأسباب الكامنة وراء قبول العقل للخرافة، فهل هذا القبول مشكلة عقلية في التفكير أم أنه اتباع للعادات وسعيا وراء المصالح؟
أخي الكريم، استوقفنا خلال الأيام الماضية ما شاهدناه على مواقع التواصل الاجتماعي، من الخرافات التي استحوذت على عقول كثير من الناس خلال احتفالات حول بعض الأضرحة، وظهرت خرافات أن ذلك الشخص كان يمتلك قوة خارقة للغاية، حتى إنه كان يستطيع إحضار الأسرى من أرض العدو إذا استغاثوا به واستمدوا العون منه.
هذه المظاهر المتكررة لتلك الخرافات تطرح تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء اقتناع بعض العقول بالخرافات، رغم أن بعض هؤلاء من ذوي التعليم المتميز والحاصلين على درجة الدكتوراه، وهل هذا الاقتناع بتلك الخرافات أمر طبيعي أم أن الواجب علينا مقاومة الخرافة، وأولى مراحل تلك المقاومة فهم العوامل الثقافية المتسببة في استمرار الخرافة وتأبيدها في بعض الثقافات والمجتمعات.
العقل والخرافة
في القرن التاسع عشر الميلادي كتب الشاعر الإنجليزي "جون كلير" أن من الصعب تتبع البدايات الأولى للخرافات لأنها موجودة في كل حضارة، بل إنها موجودة في كل ذاكرة، ومألوفة للكثيرين كما يألف الأطفال أزهار الربيع، وقال عبارة تكشف عن تأصل الخرافة في العقل البشري حتى إن تأثيرها ليبدو أقوى وأدوم من تأثير الكتب، فقال: "الخرافة تعيش أطول من الكتب؛ فهي تُغرس في العقل البشري حتى تصبح جزءًا من وجوده؛ وتُنقل من جيل إلى جيل على امتداد الأبدية، متألقةً بأعلى مراتب الشهرة، غير متأثرة بزحف النسيان الذي تُغرق فيه الكتب".
ولكن من أين تكتسب عقولنا الخرافات؟
تشير بعض الأبحاث في علم النفس إلى أننا في طفولتنا نتعرف على العالم من خلال عدة روافد، منها "المعرفة الحدسية" وهي تعني: "المعرفة المباشرة التي تُدرك الأشياء بشكل غريزي وفوري دون تفكير منطقي واع، فهي تعتمد على الفهم الداخلي العميق بدلًا من التحليل العقلاني"، والحدس هو القدرة على اكتساب المعرفة دون اللجوء إلى التفكير الواعي أو الحاجة إلى تفسير.
هذه المعرفة الحدسية في الطفولة تجعل العقل في تلك المرحلة يقتنع أن الجمادات لها أفكار ومشاعر، ومن هناك تبدأ بعض العقول في تقبل إمكانية الاقتناع بالخرافة.
يعرف البعض الخرافة بأنها "التباسات وجودية حيث ينسب المؤمنون بالخرافة سمات فيزيائية وبيولوجية إلى بعض الأشياء، معتبرين أن لها معرفة ورغبات وروحًا".
لماذا تُصدق الخرافة؟
الخرافة موجودة في معظم الثقافات، لكن السؤال من هم الأشخاص الأكثر تقبلاً للخرافة؟ تشير الأبحاث إلى أن النساء أكثر قبولاً وميلاً لتصديق الخرافة، كما أن الأشخاص الأكثر تشاؤمًا هم أكثر ميلاً لقبول الخرافة.
لكن لماذا يصدق بعض المتعلمين والمثقفين والأذكياء الخرافات، رغم وجود صوت داخلي لدى الكثير منهم بعدم تأثير الخرافة أو عدم صدقها أو حتى وقوعها؟
عالم النفس الشهير "ستيورات فايس" مؤلف كتاب "الإيمان بالسحر.. علم نفس الخرافة" يرى أن الإيمان بالخرافة يخلق شعورًا نفسيًّا بالراحة، ولعل هذا ما يجعل بعض الأذكياء والمثقفين يتقبلون الخرافة، فالخرافة لها وظائف نفسية، فعندما لا يستطيع الشخص السيطرة على الموقف، يلجأ للخرافة مقاومةً للقلق، ومن هنا فإن العاطفة قد تكون هي الشيء الكامن وراء اقتناع بعض العقول بالخرافة وتقبلهم لها.
ورغم ذلك توجد خرافات ضارة وسلبية ومن بينها اللجوء للسحر والمشعوذين والإيمان بالقوة الخارقة للموتى وأصحاب القبور، لكن الإيمان بالخرافة يعني أن العقل قد يميل إلى اللاعقلانية في بعض الأحيان لحاجته إلى إجابات سريعة، أو لكسل عقلي، والأغرب أن بعض الناس يكون مقتنعًا بأن ما يعتقد نوع من الخرافة إلا أنه لا يستطيع أن يتخلص من سطوتها على عقله، وهذا ما يجعل للخرافة جاذبية.
بعض الأشخاص يميل لتصديق الخرافة تحقيقًا للطمأنينة، وقد أجريت أبحاث على صيادين فوجدت أنهم عندما يصطادون بالقرب من الشاطئ لم يلجؤوا إلى الخرافة، ولكن عندما توغلوا في داخل البحر شعروا بحاجتهم إلى الخرافة اعتقادًا منهم أن ذلك يكفل لهم الرجوع إلى بيوتهم سالمين، يقول الفيلسوف الإنجليزي "برتراند راسل": "الخوف هو المصدر الرئيسي للخرافات، وأحد أهم مصادر القسوة، والتغلب على الخوف هو بداية الحكمة".
وابط ذات صلة:
كيف تتعامل مع الخزعبلات (الخرافات)؟