الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
17 - رقم الاستشارة : 1845
05/05/2025
أعيش حياتي بتوازن مع واقعي، وأحرص على أداء ما أستطيعه من الطاعات، غير أني -ولضعف نفسـي- وقعت في بعض الذنوب. ومؤخرًا بدأت أشعر بشيء يشبه غضب الله، فقد زالت عني بعض النعم، وضاق صدري، وتغيرت أحوالي.. فهل ما أنا فيه هو غضب من الله وانتقام، أم ابتلاء وتطهير؟ وهل يدل ذلك على أنني في طريق البُعد؟ كيف أتعامل مع هذا الحال؟ دلّوني على طريق يطمئن القلب، ويهدئ الروح، ويقوّي الصلة بالله.
السائل الكريم، مرحبًا بك على صفحات النافذة، واسمح لي أناديك يا صاحب القلب الحي.. سلام عليك في زمن تتلاطم فيه الأمواج، وقلّ من يراجع نفسه عند الشدائد! سؤالك هذا علامة حياةٍ ونبض إيمان.. فمن شعر بالخوف من غضب الله، فهو لم يُطرد من رحمة الله، بل إن خوفك هذا أول مراتب العودة وأعظم بشارات القرب.
أول ما نبدأ به، هو تصحيح الفهم:
ليس كل ضيق في العيش، أو تغير في الحال، دليل غضب من الله، فقد يكون ابتلاءً لرفع الدرجات، أو نذيرًا لليقظة والعودة، أو حتى محبة من الله يريد بها أن يُطهِّرك، ويرفع مقامك، فإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشـَيءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.
لكن إن صاحَبَ هذا الضيق ذنوبٌ وإعراض، فهنا يجب أن ننتبه، فإن الله تعالى قال: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾، فهذه الآية دعوة صريحة للمراجعة والمحاسبة، لا للإحباط واليأس.
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، وتزينوا للعرض الأكبر"، فالله جل جلاله لا يريد هلاكك، وإنما يريد رجوعك، وأيّ حب أعظم من هذا؟
والسؤال الأهم هنا: كيف تتعامل؟
وإليك خريطة العودة.. بخطى ثابتة:
1) التوبة الصادقة، لا المؤقتة، قال الله: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾، التوبة تبدل الذنوب إلى حسنات.. فقط إن صدقت فيها.
2) الاستغفار.. دواء القلوب والنعم، قال النبي ﷺ: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب".
3) دوام الاتصال بالله بالدعاء والبكاء والنجوى، وقد سُئل أحد السلف: ما لنا ندعو فلا يُستجاب لنا!! فردّ قائلا: إنكم تعرفون الله ولا تطيعونه، وتقرؤون القرآن ولا تعملون به، وتحبون الجنة ولا تطلبونها، وتخشون النار ولا تهربون منها.
4) إعادة ترتيب الأولويات.. واجعل الله أولها: اجعل الله في قلبك أعظم من همّك.. فيرضى عنك، ويفتح لك.
5) قراءة القرآن بتدبر لا بتمتمة، فهو مرآة القلب، وطمأنينة الروح. اقرأ قول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ﴾..
وإليك بعض الوصايا الإجمالية:
* لا تيأس.. فإن اليأس من رحمة الله أكبر الذنوب بعد الشرك.
* اجعل لك وقتًا يوميًّا للقرآن؛ فنور الله لا يُهدى لعاصٍ مُصرّ.
* صلِّ ركعتين في جوف الليل، واشكُ بثك وحزنك إلى الله، وقل: "اللهم لا تحرمني بركة ما وهبتني، ولا تهجرني وإن هجرتك، ولا تؤاخذني بما نسيت أو أخطأت.
* أحِط نفسك بصحبة صالحة تُذكّرك بالله، وتشُدّ على يديك في الطاعة.
* أكثر من ذكر الله.. فهو راحة الأرواح.
* تصدّق، ولو بالقليل، بنية تفريج الكرب، فإن "الصدقة تطفئ غضب الرب".
وأسأل الله ختامًا أن يرزقك الطمأنينة والسكينة وصلاح الحال والمآل.