الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
282 - رقم الاستشارة : 792
25/01/2025
ما حكم الإسلام في تأويل الرؤى والأخلام ، وهل هذا التفسير قطعي الدلالة يجب العمل بمقتضاه؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه:
الرؤى والأحلام ظاهرة خُلقت مع الإنسان منذ الأزل، ودلّت عليها الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية المطهرة، ويعهد بالتأويل لأهل الصلاح والتقوى، ولا بد أن يكون عالمًا بحال من رأى الرؤيا، وسواء أصح التأويل أم لم يصح فلا يعد مصدرًا من مصادر التشريع.
ومن أولى الرؤى رؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام، حيث رأى في المنام أنه يذبح ولده ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: 102).
ومنها رؤيا الملك الذي فسَّرها يوسف الصديق عليه السلام ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ (يوسف: 43).
وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إذا اقترب الزّمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزءٌ من خمسٍ وأربعين جزءًا من النّبوّة، والرّؤيا ثلاثةٌ؛ فرؤيا صّالحة بشرى من اللّه ورؤيا تحزينٌ من الشّيطان ورؤيا ممّا يحدّث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصلّ ولا يحدّث بها النّاس".
والرؤيا ليست نوعًا واحدًا، فمنها حديث النفس وهو ما يشغل الإنسان به نفسه في اليقظة فيسيطر عليه ويراه في المنام، ومنها الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ومنها رؤيا من الشيطان أي يحضرها الشيطان ويفرح بها ولها، ولذلك على المسلم ألا يحدث بها أحدًا، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم منها.
وقد أفرط الناس في مسألة تأويل الرؤيا، أو ما يره النائم سواء أكان حديث نفس، أو حلمًا من الشيطان، أو رؤيا صالحة، وأنشأت من أجل ذلك برامج تلفازية، ومواقع على شبكة الإنترنت، وغير ذلك.
وهرع الناس إلى الكتاب الذي نسب إلى ابن سيرين ينقلون منه تفسيرات وتأويلات قيلت في ظروف معينة ولأناس معينين، ويريدون أن يسحبوها على كل زمان ومكان.
وتفسير الرؤيا أشبه ما يكون بالفتوى، وإن كان أصعب منها، ولكنه يتغير بتغير الأشخاص والزمان والمكان، وبالتالي لا يمكن ضبطه من خلال الفضائيات، ولا غيرها من البرامج.
ولا مانع من أن يكون هناك متخصص يفتح الله عليه بالعلم فيكون من أهل تأويل الرؤيا، ولا بد أن يكون معروفًا بالصلاح والتقوى، وليكل العلم لله تعالى ولا يُجزم بشيء من الغيب لأن العلم الحقيقي عند الله تعالى.
ولا بد أن يكون من أهل الفراسة والتقوى، وأن يرى السائل ويعرف أحواله حتى يستطيع أن يؤل تأويلاً صحيحًا.
والرؤيا سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة ليست من مصادر التشريع، ولا يبني عليها المسلم حياته كلها، ولا يأحذ منها حكمًا يعارض أحكام الإسلام.
يقول الأستاذ حسن البنا ـ رحمه الله ـ وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية, ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه. أ. هـ.
وعلى المسلمين أن يعيشوا واقعهم، ويحلموا بمستقبلهم، ويحللوا الماضي والحاضر ليستفيدوا منه في المستقبل.
وعلينا أن نحلم بيوم لا نجد فيه في بلاد الإسلام أميًّا، ولا عاطلاً لا يجد عملاً، ولا مريضًا لا يجد دواء، ولا مسلمًا لا يجد أمنًا وأمانًا، علينا أن نحلم بهذه الأحلام، وعلى العلماء وأهل التخصص ونحن معهم أن يحولوها إلى واقع بين الناس، فحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد.
والله تعالى أعلى وأعلم