Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. ماهر السوسي
  • القسم : فقهية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 125
  • رقم الاستشارة : 1568
10/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا امرأة متزوجة وعندي أربع بنات، أكبرهن بلغت عشر سنوات، أسكن أنا وزوجي وبناتي في بيت مكون من غرفة واحدة ومطبخ وحمام، وسقفها من الصفيح المهترئ، فوق شقة حماتي، وقد رغبنا أنا وزوجي الانتقال إلى بيت آخر، فرفضت حماتي ذلك وهددت زوجي بأنها ستغضب عليه إن فعلنا. وسؤالي هو: هل غضب حماتي معتبر في مثل حالتي هذه؟ وماذا أفعل لو كان غضبها مقبولا عند الله؟ أفيدوني وبارك الله فيكم.

الإجابة 10/04/2025

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

 

فإن الإسلام قد اهتم بالعلاقات الاجتماعية وبنى عليها كثيرًا من الأحكام الشرعية، من أجل تثبيتها والحفاظ عليها، وتماسكها، ثم إن الإسلام قد شرع لكل واحد من أفراد المجتمع حقوقًا تثبت له على الآخرين، وتزداد هذه الأهمية عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الأسرية التي حرص على قوتها وتماسكها، ودليل ذلك أن الله تعالى قد قرن الأمر بعبادته بالتوصية بالإحسان للوالدين ولذي القربى بقوله -تعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ...} [النساء : 36]، وفي ذات السياق جاء جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عن أحق الناس بصحبته حيث قال: "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك".

 

وبالمقابل كانت الوصية بالزوجة أيضًا، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله، "استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم"، أي محبوسات في بيوتكم لمصلحتكم.

 

وبناء على ما سبق، فالأم لها حقوقها، والزوجة هي الأخرى لها حقوقها، وحق الأم يتمثل في برها كما في النصوص السابقة، وحق الزوجة يتمثل في معاشرتها بالمعروف، كما في قوله -تعالى-: {... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...} [النساء: 19]، ومن العِشرة بالمعروف أن يسكنها زوجها المسكن اللائق بها والذي يقيها حر الصيف وبرد الشتاء ويستر عورتها.

 

هذه حقوق منحها الشرع لكل من الأم والزوجة، ولا يجوز لأحد حرمان أحد من حق منحه الشرع إياه، لقول الله تعالى: {...إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ...} [يوسف : 67].

 

وبالنظر إلى استشارة الأخت الكريمة وتأمل موقف أم زوجها فإننا نرى أن هذا الموقف قد يكون ناتجًا عن واحد من احتمالين اثنين:

 

أحدهما: أن للأم مصلحة معتبرة في بقاء ابنها إلى جانبها، ذلك أنها لا تستطيع قضاء حوائجها الضرورية بنفسها، أو تكون مريضة وبحاجة إلى رعاية صحية، أو غير ذلك من الحاجات الأخرى الضرورية.

 

ففي هذه الحالة نرى أن هذه المرأة محقة في معارضتها لذهاب ابنها بعيدًا عنها، وأنها لو غضبت على ابنها فإن غضبها قد يكون معتبرًا، ولكن في هذه الحالة ليس من العدل أن نظلم الزوجة ونتركها تعاني ما تعانيه، بل نقترح عليها بالقيام بإصلاح سقف بيتها بالمال الذي تنوي دفعه للبيت المستأجر، وكذلك بناء غرفة متواضعة لتؤوي فيها بناتها، أو تجد ما تفصل به بينها وبين بناتها عند النوم إن كان لا بد من المبيت في مكان واحد.

 

الاحتمال الثاني: أن تكون الأم غير محقة في منع ابنها وزوجته من استئجار بيت غير الذي يسكنانه، ففي هذه الحالة تكون أم الزوج متعنتة، ومتسببة في معاناة ابنها وزوجته.

 

ولكن رغم ذلك فإننا لا نستطيع القول بجواز ترك ابنها البيت دون رضاها رغم أن غضبها غير معتبر، لما فيه من منع زوجة ابنها أن يكون لها بيت يليق بها؛ لأن خروج ابنها دون رضاها يتناقض مع الأمر ببرها والإحسان إليها ومصاحبتها بالمعروف، لقول الله -تعالى-: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15] فإن هذه الآية الكريمة تحرم عدم بر الوالدين بغض النظر عن سلوكهما.

 

وفي هذه الحالة، فإننا ننصح الأخت السائلة بأن تتريث، ولا تنتقل إلى بيت آخر إلا بعد أن يقوم زوجها بإرضاء أمه، بنفسه في أول الأمر، أو يحاول إرضاءها بواسطة غيره ممن يكونون لهم حظوة عندها وتطمئن إليهم، فإن رضيت كان المراد، وإلا فإن على الزوجة أن تكل أمرها إلى الله تعالى، وتصبر احتسابًا عند الله، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، لقوله -تعالى-: {... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ...} [الطلاق: 2-3].

الرابط المختصر :