22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

تغيب بعض الأئمة عن مساجدهم بسبب الاعتكاف

الإستشارة 23/01/2025

يتغيب بعض الأئمة عن مساجدهم خلال شهر رمضان بحجة الاعتكاف في مساجد أخرى للتزود بالطاعة وإحياء لسنة الاعتكاف فهل هذا يجوز شرعا ؟

الإجابة 23/01/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه:

فهذا السؤال قد يكون مقبولاً من غير الأئمة والدعاة، فقد نتفهم أن موظفًا في عمل آخر يريد أن يأخذ إجازة من عمله من أجل أن يخلو بنفسه فيحاسبها، ويعاتبها، ويرتب عليها من الوظائف والأعمال التي تعينها على السير في طريق الله تعالى.

أما الإمام فيمكنه أن يقوم بواجبه في الدعوة إلى الله وبالاعتكاف في مكان عمله ويحث الناس على الاعتكاف.

وحتى هذا الموظف دائمًا ما نقول له إن كان المسلمون في حاجة إلى عمله في هذا المكان، ولا يمكن لغيره أن يقوم بقضاء حوائج المسلمين فعليه أن يجمع بين الخيرين إن استطاع، فيذهب لعمله بالنهار، ويعود لمعتكفه بالليل، حتى يصدق عليه وصف أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (رهبان بالليل فرسان بالنهار)، وليعلم أن سعيه في قضاء حوائج الناس ربما يفوق الاعتكاف حتى لو كان هذا الاعتكاف في أحد الحرمين الشريفين، الحرم المكي والمسجد النبوي.

إن العلماء متفقون على أن العمل الذي يتعدى خيرُه فاعلَه؛ ليعود على الناس بالنفع، فضله أكبر، وثوابه أعظم من العمل الذي يقتصر خيره على صاحبه.

ولو جلس أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجواره في حياته في المدينة، وبعد وفاته في مكة ما انتشر الإسلام في ربوع الأرض وما وصل لأوربا والصين والهند وكل شبر من الأرض.

لا شك أن المسلم يحتاج في بعض أوقاته للخلوة بنفسه، والتخفف من أعبائه حتى يستطيع أن يراجع نفسه ويقف على عيوبها، ويزكيها بفعل الخيرات، وهذا لا يشك فيه أحد، لكن الإمام يستطيع أن يفعل ذلك كله وهو في عمله.

إن الأئمة والدعاة، وكل من ارتبط رزقه بالدعوة إلى الله، وتبصير الناس طريق الحق، والسعي في قضاء حوائجهم؛ أشبه بعمل أم موسى التي كانت ترضع ولدها وتأخذ أجرها من مال فرعون مصر.

وبالتالي لا يجوز للأئمة أن يتركوا مساجدهم حتى لو كان السبب هو الاعتكاف في المسجد الحرام، فهم يأخذون أجرًا على هذا العمل، والدعوة عليهم أشد وجوبًا من غيرهم.

ومهمة الإمام ليست مقصورة على الوعظ وإمامة الصلاة فهذه أعمال على أهميتها لكنها ليست كل شيء.

فالإمام بجوار أنه يفتي الناس في أمور دينهم ويعلمهم الحلال والحرام، ويرتقي بنفوسهم فيزكيها بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجوار ذلك كله هو عون للمحتاج، وملجأ لليتيم، ومأوى للضعيف، هو حاكم بين الزوج وزوجه إن بغى أحدهما على الآخر، أو ظلم أحدهم صاحبه، وهو واسطة بين الأب وابنه إن عق الولد أبويه، أو ظلم الوالدان ابنهما، هو حلقة الوصل بين الأغنياء والفقراء، يأخذ من الغني ليعطي للفقير، وهو حلقة وصل بين الأطباء والمرضى يتوسط لديهم حتى يعالجوا الفقراء دون مقابل.

يستطيع الإمام أن يفعل ذلك كله وغيره الكثير والكثير بجوار واجبه في إرشاد الناس إلى الحق حتى تعود للمسجد رسالته، فيكون مؤسسة دعوية، وساحة رياضية، وجمعية خيرية لرعاية الفقراء، ومشفى لعلاج الأمراض، ومكانًا للتدريب على المهارات المختلفة...

إن رسولنا الكريم أرشدنا إلى هذا في أكثر من موضع، فقد روى الإمام مسلم بسنده عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا".

أما إذا نظمت الوزارة هذا الأمر وأعطت لبعض الخطباء إجازة في هذه الأيام، أو سمحت لهم بتبادل أماكنهم حتى يلتقي الإمام بجمهور جديد؛ يعلمهم ويتعلم معهم، فهذا لا شيء فيه، وربما يعود بالنفع على الداعية، وعلى المدعوين، ويساعد على نقل الخبرات بين الأئمة بعضهم بعضًا.

فإن تعذر هذا فليحتسب الإمام الأجر وليشمر عن ساعد الجد، وليعلم أن مواسم الطاعات فرصة مهمة بالنسبة له يأتيه الناس راغبين فلا بد أن يربطهم ببيوت الله ويحبب إليهم طريق الله، ويأخذ أجره مضاعفًا أضعافًا كثيرة بإذن الله.

والله تعلى أعلى وأعلم