Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 84
  • رقم الاستشارة : 1595
12/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أكتب إليكِ وأنا قلبي يعتصر من الألم، ولا أدرى كيف أُسكن ضميري، أو أُغلق أذني عن صراخٍ يُمَزّق القلب كل يوم.

أنا جارة لأسرة تسكن في الشقة المقابلة، ولديهم طفل صغير، عمره لا يزيد عن ست سنوات. منذ شهور وأنا أسمع أمه تصرخ فيه بألفاظ قاسية، وتضربه ضربًا متكررًا، حد التعذيب، يكاد لا يمرّ يومٌ إلا ويحدث.

صراخه يُسمَع من خلف الأبواب، بل أحيانًا من السُّلَّم، وأشعر أن هذا الكائن الصغير ينهار شيئًا فشيئًا. لا أدري هل يُعاني من مشكلة سلوكية أو توحّد أو فرط حركة؟ أم أنها قسوة أم فقدت أعصابها ولم تعد ترى؟

أكثر ما يُمزّق قلبي أننى متزوجة منذ سنوات ولم يُرزقني الله بطفل حتى الآن، وأتمنى لو أحتضن هذا الطفل وأحميه بكل قوتي، لكنه ليس ابني، ولا أعرف كيف أمد يدي إليه دون أن أُتَّهم بالتدخل أو أن أُثير المشاكل.

حاولت أن ألمّح للأم بكلمة طيبة ذات مرة فصدّتني بجفاف.

ماذا أفعل؟ هل أطرق بابهم؟ هل أتحدث؟ هل أبلغ جهة مختصة؟ أم أكتفي بالدعاء؟

أشعر أني لو سكتُّ، سأكون شريكة في أذى نفسي قد لا يُمحى من نفس طفل بريء.

أرشديني، فالقلب موجوع، والضمير لا يرتاح.

الإجابة 12/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

سلمتِ حبيبتي على هذا القلب الرحيم، وهذه النفس التي لم تُطفئ فيها الدنيا شعلة الرحمة والغيرة على الحق، ووالله إن من يسمع صراخ طفل ولا يتحرك له وجدان، قد أصابه من قسوة العصر ما يحتاج إلى شفاء طويل.

 

ما وصفتِه من قسوة أم تجاه طفلها هو نوع من أنواع الإساءة الوالدية، وتحديدًا ما يُعرف بـ الإيذاء النفسي والجسدي للأطفال (Physical and Emotional Abuse)، وهو من أخطر أنواع الإيذاء لأنه لا يترك جروحًا في الجسد فقط، بل ينحت في الروح آثارًا قد تمتد إلى الكهولة، وقد تؤدي إلى اضطرابات سلوكية وشخصية لاحقًا مثل اضطراب القلق المزمن، أو الاكتئاب الطفولي، أو العدوانية الدفاعية.

 

هذا الطفل يا أختاه ليس فقط يُضرب، بل يُسحق وجدانيًّا في سنِّ التشكُّل النفسي، وهي أخطر مرحلة من مراحل النمو حسب نظرية "بياجيه" و"إريكسون"، حيث تتكوّن الصورة الذاتية للطفل، فإذا غُرست بالإهانة، نشأ وهو يكره ذاته ويظن نفسه بلا قيمة.

 

اعلمي يا عزيزتي أن سُكوتكِ عن هذا المشهد هو ما يُسمى بـ"الإهمال الأخلاقي" - وإن كنتِ لا تقصدينه - إلا أنّه قد يُعدّ مشاركة سلبية في استمرار الأذى.

 

وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليُغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

 

وبالطبع في حالتكِ، تغييره باليد غير ممكن، لكنه ممكن بلسانٍ لطيف وحكمة، أو بإبلاغ جهة مختصة تُقوّم السلوك دون صدام.

 

* وأنصحكِ بالتدرّج في الخطوات الآتية:

 

1- التقرّب غير المباشر للأم:

 

قد يكون عن طريق هدية صغيرة، أو مجاملة رقيقة، تفتح باب العلاقة مجددًا، ومن ثمّ يمكنكِ إدخال حديث بسيط عن التربية وأثر القسوة، كأن تقولي لها: "قرأت مؤخرًا عن طفل دخل في نوبة صمت بسبب الضرب المتكرر.. شيء مؤلم والله".

 

٢- حاولي الوصول إلى رقم والد الطفل وأبلغيه:

 

فقد يكون مسافرًا، أو منهمكًا في عمله ويعود متأخرًا، أو حتى إن كان منفصلاً عن أم الطفل، فينبغي إعلامه من بعيد.

 

3- إن لم تستجب، واستمرّت الحالة:

 

فالتواصل مع وحدة حماية الطفل أو لجنة مجتمعية تربوية قد يكون ضرورة: بشرط أن يتم الأمر بحكمة وبحث عن حل، لا فضح أو انتقام.

 

٤- التحصين بالدعاء والنية:

 

فما تقومين به ليس تدخّلًا، بل هو "أمر بالمعروف ونهي عن المنكر" بقالب إنساني رفيع.

 

٥- حاولي احتواء الطفل إن وُجدت فرصة:

 

إن صادفكِ الطفل في السُّلَّم أو المدخل، بادريه بابتسامة، بكلمة حانية، فربّ لمسة حنان عابرة، تُعيد التوازن لطفلٍ كاد يفقد ثقته بالناس.

 

واعلمي أنكِ في هذا الموقف في امتحان رحمة وضمير، والنبي ﷺ قال: "من لا يَرحم لا يُرحم، من لا يرحم الناس لا يرحمه الله".

 

فليتك تكسبين صداقتها لتخففي عنها وعن طفلها معاناتهما النفسية، ولتؤكدي لها على أقوال الرسول صل الله عليه وسلم.

 

* وهمسة أخيرة إليك عزيزتي:

 

لا تقسي على نفسك، بل اعتبري نفسك جندية خير، تؤدي رسالتها بميزان العقل والرحمة.

 

"الرِّفق ما كان في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه" – حديث نبوي؛ فكوني رفيقة حازمة، وحنونة واعية، وسجّلي عند الله أنكِ ما سكتِ عن ظلم، ولا فرّطتِ في نُصرة ضعيف.

 

والله تعالى أسأل: أن يعجّل لكِ بالذرية الصالحة، وأن يُعطيكِ من الطفولة ما يُنبت في قلبك الزهر بدل الوجع، وأن يهدي هذه الأم على طفلها وأن يحفظه من إيذائها له.

الرابط المختصر :