الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : المعاملات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
164 - رقم الاستشارة : 2125
19/07/2025
كيف تدرجت الشريعة الإسلامية في تحريم الربا ، والحكمة من ذلك ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فمن عادة القرآن الكريم أن يتدرج في تحريم الجرائم والكبائر التي كانت منتشرة عند العرب قبل الإسلام، وهذه هي الحكمة من التدرج في التشريع في تحريم الربا أو غيره، مثل تحريم الخمر والزنا، وهذا رحمة من الله بعباده، وتيسير من الله تعالى، حيث يريد الله بنا اليسر، ولا يريد العسر، وما جعل علينا في الدين من حرج.
وقد تناول القرآن الكريم حديث الربا في أربعة مواضع.
المرحلة الأولى: قول الله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: 39]، فليس في الآية ما يشير إلى تحريم الربا، وإنما إشارة إلى بغض الله تعالى للربا، وإن الربا ليس له ثواب عند الله تعالى، وأن الربا لا يزيد المال، ولا يباركه، بل يمحقه، ويهلكه.
المرحلة الثانية: قول الله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: 160، 161]، فقد بين الله تعالى في الآية أنه حرّم على اليهود أكل الربا فأكلوه، فعاقبهم الله بمعصيتهم، ففي الآية تحريم الربا (بالتلويح) لا (بالتصريح).
المرحلـة الثالثـة: قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 130]، ففي الآية النهي الصريح عن نوع من أنواع الربا وهو الربا الفاحش الذي يتزايد حتى يصير أضعافًا مضاعفة، يضعف عن سداده كاهل المستدين، الذي استدان لحاجته وضرورته.
المرحلة الرابعة: قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 278، 279]، ففيها التحريم الكلي القاطع للربا الذي لا يفرّق بين قليل أو كثير، والذي ختم فيه التشريع السماوي بالنسبة إلى حكم الربا.
ومن أجل هذا تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا.
والله تعالى أعلى وأعلم