الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
253 - رقم الاستشارة : 647
10/01/2025
الظلم الموجود في العالم يقف وراء الكثير من إلحاد الشباب ويتساءل هؤلاء لماذا يسكت الخالق عن هذا الظلم لماذا يترك أهل غزة تحت القصف لماذا لا يتدخل لحمايتهم.. هل هناك رؤية للإسلام لحل هذا المشكل الكبير؟.
"إن ذرة صغيرة من الرماد تعشو أبصارنا، قد تكون هي الكفيلة ـ في بعض الأحيان ـ بأن تجعلنا نلعن الإبصار! وبالمثل، يمكننا أن نقول إن لحظة قصيرة من الألم قد تدفع بنا أحيانًا إلى الكُفر بالحياة!"
عبارة مهمة من أستاذ الفلسفة "زكريا إبراهيم" قد تحد حدًّا للارتباط السببي والشرطي بين الظلم والإلحاد، بعدما أخذ الإلحاد في السنوات الأخير منحى آخر، فبدلاً من إنكار وجود الله سبحانه وتعالى، أصبح المدخل الإلحادي للبعض هو السؤال عن عدل الله، ولماذا يترك تلك الشرور، وهؤلاء الظالمين يرتكبون كل تلك المآسي، ويقتلون الناس، يبددون الثروات، ويكثرون الهزائم.
الظلم أو سؤال الشر، كان مدخلاً لإلحاد البعض، يقول المفكر اليهودي " يوفال نوح هراري": لا يمكن إنكار أن الأديان التوحيدية تجد صعوبة في التعامل مع مشكلة الشر"... لكن ما يقول "هراري" ليس صحيحا، بل أكذوبة كبيرة، في فهم الدين وفهم الشر وفهم حقيقة الوجود.
فإذا كانت اللغة تعرف الإلحاد بأنه الميل عن القصد، والاصطلاح يذكر أن الإلحاد هو إنكار وجود الله، فإن مشكلة الشر ستظل قائمة؛ لأن فهم مشكلة الشر تبدأ من التوحيد، والغاية التي وجد منها الإنسان على الأرض.
وحتى لا نذهب بعيدًا، فما يحدث في غزة من قتل ودمار بما يفوق التصور الإنساني، تكررت مشاهده في الأندلس وفي كثر من فترات التاريخ، بل تكررت مع بني إسرائيل أنفسهم، فكان عذاب فرعون لهم بما يفوق الوصف، وكان عذابًا على بني إسرائيل لعقود طويلة لم يرتفع عنهم حتى أفسد طبيعتهم.
لكن كانت العاقبة دومًا للمظلومين، وكان الدم هو الذي ينتصر على السيف، فقد مضى فرعون غريقًا هو وجنوده، واستمر بنو إسرائيل في التاريخ، ومضى هولاكو وبقيت بغداد.
والنقطة المركزية في فهم مشكلة الشر، هي أن الدنيا هي اختبار للإنسان بإقامة العدل، وليست اختبارًا للخالق سبحانه وتعالى في إقامة العدل؛ فالإنسان هو الذي دخل الاختبار ليقيم العدل باعتباره خليفة الله في أرضه، وإذا فشل في إقامة العدل فعليه جزاء من سنن الاجتماع البشري في الحياة الدنيا، أما في الآخر فهناك الحساب العسير، وهناك الجحيم... أما إذا نجح في إقامة العدل فله الكرامة الموفورة تبعا لسنن الاجتماع البشري في الدنيا، وله الجنة في الآخرة.
وعلى هذا فاستمرار المظالم تعني فشل الإنسان في مقاومة الظلم ومواجهته واستمرار ما يجري في غزة من فظائع هو فشل للصامتين الذي تقاعسوا عن مواجهة الظلم، وفشل للمجتمع الدولي في ردع العدوان، وسوف يخضع هؤلاء لحساب إلهي... أما أن يزيح الظالم والمتقاعس سؤال الظلم عن نفسه وينسبه للخالق سبحانه وتعالى، فهو فساد في التصور حول الخالق سبحانه، وحول الغاية من الوجود الإنساني.
الإلحاد ليس مرضًا نفسيًّا كما ترى بعض الدراسات الأمريكية الصادر عام 2017م، والتي تذهب أن أكثر من نصف من شملتهم الدراسة من الملحدين أشاروا إلى أن هناك تجارب عاطفية شخصية مثل: موت حبيب، أو مرض عضال، كانت وراء إلحادهم
وتعد مشكلة الشر والمعاناة في العالم أحد الأسباب المؤدية للإلحاد، ويذهب البعض أن تلك الأزمة جاءت من اللاهوت المسيحي؛ فالرؤية المسيحية للإله تركز على الرحمة والسلام والمحبة، وذلك على خلاف تصور الإله في الإسلام الذي له صفات الرحمة بجانب صفة المنتقم والجبار والعزيز، ومن ثم وُجدت في الرؤية المسيحية فجوة بين تصور الإله ودوره في مكافحة الشر في العالم.