الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
77 - رقم الاستشارة : 1616
13/04/2025
الحمد لله الذي وهبنا نعماً لا تحصى، وأسأله أن يجعلها عونًا لنا على طاعته. لقد أنعم الله عليّ بصوت حسن عند تلاوة القرآن، وهذا الأمر يسعدني، لأنني أشعر بخشوعٍ عظيم حين أقرأ، وأرى تأثير القرآن في قلوب من يستمعون إليه.
لكن في الوقت نفسه، أجد من بعض أصدقائي من يتهمني بالرياء، حتى أصبحتُ أشعر بالحيرة: هل أنا حقًا مراءٍ حين أقرأ القرآن بصوت جميل أمام الناس؟ هل يجب أن أتوقف عن تحسين تلاوتي حتى لا أقع في الرياء؟ أم أن هذا من الوساوس التي لا ينبغي الالتفات إليها؟
أرجو نصيحتكم وتوجيهكم بما يرضي الله، ويحقق التوازن بين الإخلاص وتلاوة القرآن على الوجه الحسن.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمرحبا بك أخي الكريم، واعلم بأنّك قد طرحتَ قضية في غاية الأهمية، وهي من المشكلات التي يعاني منها كثير من الصالحين الذين يريدون الإخلاص لله، ويخافون من تسلل الرياء إلى قلوبهم.
لكن دعني أقول لك بثقة: ليس كل من أُعطي صوتًا حسنًا وأحسن التلاوة أمام الناس يكون مرائيًا! بل العكس، فقد كان النبي ﷺ يشجع أصحابه على تحسين أصواتهم بالقرآن، ويمدح من يقرأه بخشوع وتأثير.
أولًا: الصوت الجميل نعمة ينبغي شكرها واستعمالها في الخير، نعم؛ إن الصوت الجميل نعمة عظيمة، وإذا استُعمل في تلاوة القرآن ونشر الخير، كان ذلك من أبواب الطاعات. وقد قال النبي ﷺ: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"، وقال أيضًا: "زينوا القرآن بأصواتكم"، بل إن النبي ﷺ كان يستمع إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ويقول له: "لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود" فالصوت الحسن في التلاوة ليس رياءً؛ بل هو وسيلة لإيصال معاني القرآن إلى القلوب وإحياء النفوس بآياته.
ثانيًا: متى يكون تحسين الصوت رياءً؟ إنّ الرياء ليس في ذات التلاوة، وإنما في النية التي يحملها القارئ في قلبه. فإذا كان الإنسان يقرأ ليُقال: "ما أجمل صوته"، أو لينال إعجاب الناس، فقد وقع في الرياء. أما إن كان يقرأ لله، ويحب أن يسمع الناس القرآن حتى يتأثروا به، فهذا عمل صالح، بل هو من أبواب الدعوة إلى الله، وكما تعلم "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
ثالثًا: كيف تتجنب الرياء في تلاوة القرآن؟ إذا كنت تخشى الرياء، فإليك بعض الوسائل العملية التي تعينك على الإخلاص:
1) اجعل نيتك خالصة لله دائمًا: قبل أن تبدأ بالتلاوة، استحضر في قلبك أنك تقرأ لله وحده، لا للناس ولا للمدح.
2) أكثر من التلاوة في الخلوة: فكما تحب أن تُحسن التلاوة أمام الناس، اجعل لك نصيبًا من التلاوة الجميلة وأنت وحدك، حتى تكون دليلاً على أنك تفعلها لله، لا لأجل الناس.
3) لا تحرم الناس من صوتك بحجة الرياء: فإن الشيطان قد يأتيك من باب الحرص على الإخلاص، فيدفعك إلى ترك الخير، وهذا من خدعه. ولذا قال بعض علمائنا: "ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
4) احرص على التدبر والخشوع: كلما تعمقت في فهم القرآن وتدبره، كان قلبك حاضرًا، وابتعدت عن أي دافع للرياء.
5) لا تتأثر بكلام الناس كثيرًا: بعض الناس قد يسيئون الظن، لكنك أعلم بنيتك، فلا تجعل كلامهم سببًا لحرمان الناس من سماع القرآن بصوتك الجميل.
رابعًا: هل تتوقف عن التلاوة أمام الناس؟
لا، بل استمر في قراءتك وأحسن صوتك، ولا تلتفت إلى الوساوس! فإن النبي ﷺ لم يكن يأمر أصحابه بأن يخفوا تلاوتهم خشية الرياء، بل كان يشجعهم عليها، قال حجة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي: "الإخلاص أن يستوي لدى العبد المدح والذّمّ"؛ فاجتهد أن تحقق الإخلاص ولا تنشغل بكل هذه الأمور. ولا تحرم الناس من صوتك الجميل في القرآن، ولكن اجعل نيتك خالصة لله، وأدِّ رسالتك بأمانة، وأحسن الظن بربك، فهو أعلم بسريرتك.
واعلم أخيرًا أيها الأخ الكريم أنّ الإخلاص لا يعني ترك العمل، بل يعني أن يكون العمل كله لله. فإذا أحسنت التلاوة لله، فأنت على خير، ولا يهمك بعد ذلك ما يقوله الناس، فتوكل على الله، واجعل نيتك صافية، ولا تحرم الناس من نعمة سماع القرآن بصوتك المؤثر.