احتكار الطعام عن أهل غزة.. حكمه وضوابطه

Consultation Image

الإستشارة 14/08/2025

ما حكم التجار الذين يحتكرون السلع ويبيعونها بأسعار مبالغ فيها في أواقات الحرب مثل ما يحدث مع أهل غزة؟

الإجابة 14/08/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فنسأل الله تعالى لأهل غزة خاصة ولأهل فلسطين والمسلمين المستضعفين عامة النصر والأجر، وأن يفرج كربهم ويرحم ضعفهم ويقتل عدوهم.

 

أما ارتفاع الأسعار في غزة وما يماثلها من أماكن الحروب غير المتكافئة في العالم فمرده إلى أمرين:

 

الأول: ندرة الأشياء التي تدخل إليهم بسبب الاحتلال الغاشم الذي لا يراعي في مسلم إلًّا ولا ذمة، وهذا يُسأل عنه الاحتلال أولاً، ثم النظام العالمي الذي سمح لهم بهذا ثانيًا، والنظام الإقليمي الذي وقف متفرجًا، أو شارك في تضييق الحصار عليهم ثالثًا، ولا دخل للتجار في هذا لأنه يشتري الأشياء غالية، ويبيعها بصعوبة، وقد تفسد عنده كلها أو بعضها، فلا دخل للتجار في هذا.

 

الثاني: الجشع الذي يسيطر على تجار الحروب ويدفعهم إلى الحرص على الثراء دون مراعاة لظروف الناس، وهذا هو الاحتكار الذي نهت الشريعة عنه؛ لأنه يمثل اعتداء على مقصد حفظ النفس وحفظ المال في الشريعة الإسلامية.

 

جاء في فتاوى دار الإفتاء بالأردن:

 

حرَّمت الشريعة الإسلامية الاحتكار؛ لما فيه من الإضرار بالناس، وهو إمساك ما اشتراه وقت الغلاء ليبيعه بأكثر مما اشتراه عند اشتداد الحاجة.

 

ويجري الاحتكار في جميع السلع التي يحتاجها الناس عادة، خاصة إذا كان حبسها يؤدي إلى الإضرار بالناس والتضييق عليهم، وهو مذهب المالكية، وقول أبي يوسف من الحنفية؛ قال الإمام ابن رشد الجد المالكي رحمه الله: "قوله إنه لا بأس باحتكار ما عدا القمح والشعير: معناه إذا كان ذلك في وقت لا يضرُّ احتكاره فيه بالناس؛ إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز احتكار شيء من الطعام ولا غيره في وقت يضرُّ احتكاره بالناس، ويُغلِّيه عليهم".

 

وقال الإمام الكاساني الحنفي رحمه الله: "ثم الاحتكار يجري في كل ما يضرُّ بالعامة عند أبي يوسف رحمه الله، قوتًا كان أو لا".

 

وإن كان الاحتكار في أقوات الناس -وهي ما يقوم بها بدن الإنسان من الطعام؛ كالقمح والأرز ونحوها- فهو أشد حرمة؛ لقوله ﷺ: مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَبَرِئَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ) رواه الإمام أحمد، ولما في ذلك من الإضرار بالناس، قال رسول الله ﷺ: (لا ضَرَرَ وَلا ضِرَار) رواه ابن ماجه، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله: "يحرم الاحتكار؛ للتضييق على الناس، ولخبر مسلم: (لا يحتكرُ إلا خاطئ) أي آثم، وهو إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء".

 

والحكمة من تحريم الاحتكار هو دفع الضرر عن الناس، ولذلك عدّ العلماء الاحتكار من الكبائر، قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله: "عَدُّ هذا - أي الاحتكار- كبيرة هو ظاهر ما في هذه الأحاديث الصحيح بعضها من الوعيد الشديد؛ كاللعنة، وبراءة الله ورسوله منه، والضرب بالجذام والإفلاس وغيرها... ثم الاحتكار المحرَّم عندنا هو أن يمسك ما اشتراه في الغلاء، لا الرخص من القوت حتى نحو التمر والزبيب، بقصد أن يبيعه بأغلى مما اشتراه به عند اشتداد الحاجة إليه، وألحق الغزالي بالقوت: كلّ ما يعين عليه كاللحم والفواكه".

 

فنهيب بإخواننا التجار مراعاة ظروف الناس والرأفة بهم، ونذكرهم بحرمة التضييق عليهم، واستغلال حاجاتهم بحبس السلع عنهم لرفع أثمانها؛ وقد قال رسول الله ﷺ: (مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ) رواه مسلم.

 

وعليه؛ فيحرم على التجار أن يقوموا بحبس المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع بعد شرائها في وقت الغلاء؛ ليبيعوها بسعر أعلى عند اشتداد الحاجة إليها.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

الرابط المختصر :