ابني تعلم التبذير.. كيف أصلح ما أفسده والده؟!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 45
  • رقم الاستشارة : 3374
22/11/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أنا من المتابعين المعجبين ببوابة الاستشارات، والقسم التربوي بها..

فأنا أمٌّ لولد عمره تسع سنوات، وأحتاج إلى توجيهكم في أمر حيّرني كثيرًا.

فابني – بطبيعته – يحب شراء اللعب والحلوى، ولكن المشكلة الكبرى تظهر في الشهرين اللذين يقضيهما مع والده خلال الإجازة؛ فوالده – بحسن نية – يلبّي له كل رغباته، ويشتري له ما يشاء دون حدود، فيعود إليّ وقد اعتاد الإسراف والتبذير، ولا يتقبل فكرة الادخار أو تأجيل الرغبات.

بعد الإجازة، أجد صعوبة شديدة في تعليمه ضبط المصروف، أو التمييز بين الحاجة والرفاهية، بل أصبح يُصرّ على الشراء فورًا، ويغضب إذا طلبتُ منه أن يدّخر جزءًا من مصروفه. أشعر أن جهدي في تعليمه قيمة الادخار يضيع كل صيف، وأخشى أن يكبر على هذه العادة، خصوصًا أنه يتأثر سريعًا بتصرفات والده.

كيف أعلّمه قيمة المال؟ وكيف أساعده على فهم معنى الادخار والاعتدال في الإنفاق، رغم اختلاف أسلوب والده في التربية؟

وما الطرق العملية المناسبة لعمره كي يقتنع ولا يشعر أني أحرمه؟

أرجو توجيهكم دكتورة أميمة، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة 22/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أهلًا وسهلًا بكِ أختي الكريمة، ومرحبًا بكِ على بوابة استشارات مجلة المجتمع.

 

وأسعد دائمًا بثقة الأمهات الواعيات، وبحرصك على تربية ابنك تربية مالية راشدة، وأسأل الله أن يبارك لكِ في ابنك ويجعله قرة عين لكِ في الدنيا والآخرة.

 

فهم المشكلة

 

علينا فهم المشكلة من منظور تربوي نفسي:

 

ما ذكرتِه من اضطراب سلوك ابنك بين الاعتدال في الإنفاق عندك، والتوسّع في الشراء مع والده، هو أمر متوقع تمامًا في هذا العمر.

 

فالطفل في سن التاسعة يمر بمرحلة سمّتها التربية الحديثة Concrete Operational Stage، أي مرحلة التفكير المحسوس، حيث يتعلّم القيم عبر الممارسة المتكررة لا عبر الشرح فقط.

 

ولأن والده – بحسن نية – يعتمد أسلوب Permissive Parenting التساهل في تلبية الرغبات، بينما تعتمدين أنتِ أسلوبًا أكثر ضبطًا وتنظيمًا، فإن الطفل يعود إليك محمّلًا بتوقعات استهلاكية عالية.

 

ولا تنسي أنّ الطفل بطبيعته ينجذب إلى من يلبّي رغباته، لكنه من الداخل يحتاج حدًّا وتنظيمًا ليشعر بالأمان، وهو ما يسمّى في علم النفس Structure and Boundaries الهيكل والحدود.

 

خطوات عملية

 

وإليك خطوات عملية فعّالة لتعليم الادخار وعدم التبذير:

 

1- ابدئي من قيمة شرعية أصيلة..

 

اغرسي في قلبه أن الإسلام حذّر من الإسراف، وامتدح القوامة في الإنفاق. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾.

 

فهذه الآية يمكن شرحها له بطريقة بسيطة: "صرفنا يكون وسطًا.. لا كل شيء نشتريه، ولا نمنع أنفسنا من الطيب، بل التوازن هو الأحسن".

 

2- استخدمي أسلوب "المصروف المُقسم"

 

وهو أسلوب تربوي إيجابي مجرب: اشتري له حصّالتين أو ثلاث حصّالات، واكتبي على كل واحدة: جزء للادخار.. جزء للإنفاق.. جزء للصدقة.

 

وهذا يحقق ثلاثة مكاسب: تنظيم المال، وتقليل التبذير، وغرس قيمة العطاء.

 

3- قدّمي له نموذجًا عمليًّا..

 

أظهري له كيف تخططين لأموالك: "اليوم سأؤجّل شراء هذا الشيء لأنني أريد أن أدّخر لشيء أهم"؛ فالطفل يتعلّم من الفعل أكثر من الكلام.

 

4- أشركيه في قرار مالي صغير..

 

اسمحي له بتنفيذ خطة أو مشروع ادخار بسيط: مثلاً: "نوفّر معًا لشراء لعبة مفيدة بعد 3 أسابيع". هذا يحقق ما يسمى Delayed Gratification تأجيل الإشباع، وهي مهارة مهمة تقي الأطفال من التبذير مستقبلًا.

 

5- عوّديه على "قائمة الاحتياجات والرغبات"

 

اجعلي بينكما ورقة فيها عمودان: أ) ما نحتاجه.  ب) ما نرغب به.

 

ودعيه يضع الأشياء التي يريد شراءها، ثم ناقشيه: "هل هذا شيء نحتاجه فعلًا؟ أم يمكن تأجيله أو الاستغناء عنه؟"، وهذه مهارة مهمة في التربية المالية.

 

6- واجهي اختلاف الأسلوب بينك وبين والده بحكمة..

 

ليس المطلوب أن تصطدمي بالأب أو أن تنتقديه أمام الطفل، لأن ذلك يسبب ما يسمى Parental Conflict Confusion  ارتباكًا بسبب تضارب أو صراع الوالدين.

 

بل قولي له برفق: "بابا يحبك ويود أن يفرحك، وأنا كمان أحبك، لكن دوري هو أن أعلّمك كيف تكون رجلًا تعرف قيمة المال". بهذه الطريقة تزرعين احترام والده في قلبه، وتحافظين على رسالتك التربوية.

 

7- خططي مع الأب دائمًا قدر الاستطاعة..

 

إن أمكنك الحديث مع الأب بهدوء، فاقترحي عليه أن تكون مشتريات الصيف منضبطة بعدد محدد، حتى لا يعود الطفل إلى المنزل بعد فترة إجازته وقد اعتاد نمطًا استهلاكيًّا يصعب ضبطه.

 

أما وإن تعذّر ذلك، لبعد الأب أو إصراره على الإسراف، فلا تصطدمي معه، وقوّمي أنت سلوك الطفل عندك بطريقة إيجابية دون صدام.

 

التعزيز النفسي

 

عززيه نفسيًّا كلما التزم؛ فالتعزيز هو الأساس في تعلّم السلوك.

 

كل مرة يدّخر فيها مبلغًا صغيرًا، قولي له: "أحسنت، أنت تفكر كرجل مسؤول"، "الله يحب القوامة والاعتدال". فالتعزيز الإيجابي Positive Reinforcement، هو أقوى محفّز للطفل.

 

ثم احكي له مقولة سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله - عنه لجابر بن عبد الله: "أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر!"

 

وأخيرًا، اعلمي عزيزتي الأم أن ابنك ما زال صغيرًا، وما يتأثر به لدى والده ليس خُلقًا ثابتًا، بل عادة مكتسبة، ويمكن تعديلها بسهولة بالاستمرارية والهدوء إن شاء الله تعالى.

 

* وهمسة أخيرة:

 

تذكّري حبيبتي أنك تمثلين له الميزان التربوي، وأن غرس قيمة المال يحتاج وقتًا، لكنه يعود على الطفل بثمرة عظيمة حين يكبر.

 

أسأل الله أن يجعل ابنك بارًّا، حكيمًا، رشيدًا، وأن يقرّ عينيك به، وأن يكتب لك أجر التربية والصبر.

 

روابط ذات صلة:

كيف أُعوِّده على الاعتدال بعد اعتياده على التبذير؟!

ترشيد الاستهلاك.. خلق نبيل ومسؤولية أسرية

الرابط المختصر :