نشرتُ حرامًا لا أستطيع حذفه.. كيف أوقف «عدَّاد السيئات»؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : التوبة والإنابة
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 104
  • رقم الاستشارة : 2227
30/07/2025

يا جماعة الخير، أنا نزّلت مقطع فيه أشياء مو زينة (إباحية) في موقع، وانتشر المقطع في كل مكان وشافه ناس كثير. بعدين تبت لربي وحسيت بندم وخوف من الله. حاولت أحذفه من الموقع الأساسي بس ما قدرت، وكمان انتشر في مواقع ما أقدر أحصيها ولا أوقف انتشاره. من ذاك اليوم وأنا خايف إني أتحمل ذنب كل واحد شافه.

هل عليّ شيء بعد التوبة؟

وهل أحاسب على الأثر اللي باقي رغم إني اجتهدت إني أعدّل الوضع؟

الإجابة 30/07/2025

مرحبًا بك أيها السائل الكريم، وشكرًا جزيلاً لك على ثقتك بنا وتواصلك معنا. أسأل الله أن يتقبل توبتك، ويغفر ذنبك، ويطهر قلبك، ويثبتك على الحق، ويجعل كل خطواتك القادمة في سبيل رضاه وجنته، وبعد...

 

هل عليك شيء بعد التوبة؟

 

أخي الفاضل، إن رحمة الله واسعة، وعفوه عظيم، وبابه مفتوح للتائبين. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

 

لقد وصفتَ شعورك بالندم والخوف من الله، وهذا هو ركن أساسي من أركان التوبة الصادقة. يقول النبي ﷺ: «الندم توبة» [رواه ابن ماجة]. وما دام قلبك قد امتلأ بهذا الندم، واجتهدت في تصحيح ما أخطأت فيه، فاعلم أن توبتك -بإذن الله- مقبولة.

 

يقول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وأنت فعلت ما في وسعك، وسعيت جاهدًا لحذف المقطع، وهذا يدل على صدق توبتك، وهو المطلوب منك.

 

هل تحاسب على بقاء ما اجتهدت في إزالته؟

 

اعلم –أخي الكريم- أنك ما دمت قد تبت إلى الله -عز وجل- وندمت على المعصية، وعزمت على عدم العودة للذنب، فإن توبتك تجُبّ ما قبلها. نبينا ﷺ يقول: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» [رواه ابن ماجة]. فإذا محا الله الذنب الأصلي، فكيف يحاسبك على أثر أنت غير قادر على إزالته بعدما تبت؟

 

ولقد ذكرتَ أنك حاولت حذف المقطع من الموقع الأساسي ولم تستطع، وأن انتشاره أصبح خارجًا عن سيطرتك. فما دمت قد اجتهدت في إزالة المنكر قدر استطاعتك، فإن الله يرفع عنك المؤاخذة عما تبقى خارج عن طاقتك. يقول النبي ﷺ: «إذا أمرتكم بأمر فأْتوا منه ما استطعتم» [متفق عليه]. وهذا يشمل أيضًا النهي عن المنكر وإزالته.

 

وإذا كان الله قد كلفنا بالإصلاح بقدر الاستطاعة، فإنه لا يحاسبنا على ما هو فوق طاقتنا. أنت بذلت أقصى ما لديك، وهذا يجعلك في مأمن من المسؤولية أمام الله عما انتشر بعد ذلك. المؤاخذة تكون على الأصل، والأصل قد مُحي بتوبتك الصادقة؛ بل إن هذا الندم والخوف من الله قد يكون بابًا لرفع درجاتك ومغفرة ذنوبك.

 

إن الحسنات يذهبن السيئات

 

وإن من شروط كمال التوبة السعي في إصلاح أثر الذنب، ومن أعظم سبل إصلاح أثر ذنبك، أن تُقابل ما نشرته من فُحش وسوء بنشر الخير والصالحات، لتُبدل سيئاتك حسنات، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114]، وقال النبي ﷺ: «اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» [رواه الترمذي].

 

فاجعل من توبتك بداية لمشروع دعوي: شارك المقاطع الإيمانية التي تُذكِّر بالله وتدعو للخير. انشر التلاوات، والمواعظ، والكلمات المؤثرة التي توقظ القلوب. ولو كان المقطع السيئ قد بلغ الآلاف، فاجعل في نيتك أن يُقابله من المقاطع الطيبة أضعاف مضاعفة. فإن لم تستطع محو الشر كلّه، فاسعَ إلى موازنته بالحسنات، والله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.

 

وتذكّر أنه قد يكون من أعظم الحسنات أن تكون سببًا في رجوع الناس إلى الله بعدما كنت سببًا في ابتعادهم. فهذا من دلائل الصدق في التوبة، وبه تُبدّل سيئاتك حسنات، كما وعد الله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا، فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الفرقان: 70].

 

وختامًا أخي الكريم، طمئِن قلبك، وهدِّئ روعك. امضِ في حياتك، واجعل هذه التجربة نقطة تحول نحو الأفضل. استمر في طاعة الله، واجتهد في عمل الخير، واسعَ لنشر النفع حيثما تستطيع. فربما يكون الله قد أراد لك أن تكون منارة للخير بعد هذه التجربة.

 

لا تلتفت لوساوس الشيطان التي تحاول أن تثبطك وتجعلك تيأس من رحمة الله. استعذ بالله منها، واملأ قلبك بالثقة في عفوه وكرمه.

 

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يثبتك على الحق، وأن يغفر لك كل ذنب، وأن يجعلك من عباده الصالحين، وأن يرزقك سعادة الدنيا والآخرة. تذكر دائمًا أن الله معك، وما دام قلبك حيًّا بخشيته، فلن يخيبك أبدًا.

الرابط المختصر :