ماذا تفعل من تابت لكنها خائفة من الفضيحة؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : التوبة والإنابة
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 171
  • رقم الاستشارة : 2502
27/08/2025

عملت ذنب وتوبة إلى الله، وندمت وما عاد رديت اذنب.

وبعد سنتين لقيت شخص يمكن حايعرف بموضوعي وانفضح، بس مو متأكدة وخااايفة أنفضح. بس والله توبة إلى الله.

الإجابة 27/08/2025

مرحبًا بك يا ابنتي، وشكرًا لك على ثقتك بنا، وعلى مشاركتك إيانا هذه المشاعر، وأقدِّر شجاعتك في التواصل وطرح هذا السؤال، وهذا دليل على صدق توبتك وقوة إيمانك، أسأل الله أن يطمئن قلبك، وأن يثبِّتك على طريق التوبة، وأن يتقبل منك ندمك وإنابتك، وأن يبدل سيئاتك حسنات، وأن يستر عليك في الدنيا والآخرة، وأن يرزقك السكينة والطمأنينة، وبعد...

 

فعلى الرغم من أن سؤالك يحمل بين طياته الكثير من الغموض؛ حيث لم تفصحي عن طبيعة الذنب، ولا آثاره، ولا مدى تأثيره عليك وعلى حياتك، فإنني أتفهم تمامًا حجم القلق الذي تعيشينه. فمن سياق حديثك، وخوفك من أن يكتشف شخص ما «موضوعك»، يبدو أن ما يقلقك هو علاقة سابقة، أو ذنب مرتبط بها، تخشين أن يكشفه خطيبك أو زوجك يومًا ما. سأتعامل مع سؤالك على هذا الأساس، وأرجو أن يكون ما سأذكره مفيدًا.

 

رحمة الله أوسع من أي ذنب

 

ابنتي العزيزة، إن ما شعرت به من ندم وخوف هو في الحقيقة دليل على صدق توبتك. يقول رسول الله ﷺ: «الندم توبة» [رواه ابن ماجة]. والله -تعالى- من أسمائه: الغفور، والرحيم، والتواب، والعفُو، والستِّير. وهو -سبحانه- يحب التوابين، ويفرح بتوبتهم أشد الفرح. يقول النبي ﷺ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ» [رواه مسلم]. فتوبتك هذه غالية عند الله، فهل يفضح الله من أحبَّه وأحبَّ توبته؟

 

وقد بشَّر الله عباده التائبين من ذنوب عظيمة، بالمغفرة والرحمة: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة الزمر: 53].

 

ستر إلهي وستر ذاتي

 

ما يقلقك الآن هو الخوف من الفضيحة، وهذا شعور إنساني طبيعي. ولكن تأكدي أن الله تعالى هو «الستِّير» الذي يحب الستر. وقد قال النبي ﷺ: «من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة» [رواه البخاري]. فكيف بالله -سبحانه وتعالى- وهو الأحق بالحمد والثناء، وقد أمرنا بالستر على أنفسنا وعلى غيرنا؟

 

يقول النبي ﷺ: «أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَتَاهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْءٌ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ» [رواه الحاكم]، فستر الله عليكِ بعد توبتك هو نعمة عظيمة، فلا تكشفي ما ستره الله عليك، فكشف الذنب بعد التوبة خطأ كبير يجرُّ العبد إلى الذنب مرة أخرى، ويزيد من قلقه.

 

عيشي حياتك يا ابنتي بسلام وطمأنينة، وادفعي أي وسواس يأتيك من الشيطان بأن الله تعالى سيفضحك. فما دام الله ستر عليك في الماضي، فهو حريٌّ أن يستر عليك في الحاضر والمستقبل، وما عليك إلا أن تحافظي على هذه التوبة، وتطيبي بها حياتك.

 

ماذا تفعلين الآن؟

 

يا ابنتي، أنتِ لستِ متأكدة من أن هذا الشخص سيفضحك، وهذا مجرد وسواس من الشيطان، فلا تجعلي هذا الوسواس يسيطر عليك ويقلق حياتك، وأنصحك بالتالي:

 

1- الاستعانة بالله والتوكل عليه: تذكري أن الأمر كله بيد الله. لا تبالغي في الخوف من كلام الناس، واجعلي تركيزك على علاقتك بالله. قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [سورة الطلاق: 2].

 

2- قطع الطريق على الوساوس: لا تفكري كثيرًا في هذا الموضوع. اشغلي نفسك بما ينفعك في دينك ودنياك. واعلمي أن القلق لا يغيِّر شيئًا؛ بل يوهن النفس ويشغلها.

 

3- الدعاء: أكثري من الدعاء، وتحرِّي أوقات الإجابة، بأن يستر الله عليك في الدنيا والآخرة. يمكنك أن تقولي: «اللهم استرني بسترك الجميل، ولا تفضحني بين خلقك»، «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي».

 

4- تعزيز التوبة: استمري في طريقك الصحيح، ولا ترجعي للذنب، ولا تفكري في الماضي كثيرًا. الماضي هو صفحة طويت بفضل الله ورحمته، فاجعلي نظرك للمستقبل. أبشري بوعد الله: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [سورة الفرقان: 70]. انظري إلى هذا العطاء الإلهي، إنه لا يغفر الذنب فقط، بل يبدِّله حسنة، وهذا وعد إلهي لمن تاب توبة نصوحًا.

 

ماذا تفعلين مع الخاطب؟

 

هل يجب عليك كشف ذنبك له؟ الجواب القاطع: لا. فإنه لا يُطلب منك شرعًا أن تصارحي خطيبك أو زوجك بما كان منك من ذنب؛ بل إن الأفضل والأحرى أن تستمري في ستر نفسك؛ لأن هذا من هدي النبي ﷺ الذي أمرنا بالستر على أنفسنا بعد التوبة.

 

لقد تاب الله عليك، والتوبة الصادقة تجُبّ ما قبلها. هذا الذنب أصبح شيئًا من الماضي، وقد غُفر بإذن الله، فليس هناك أي حاجة لإحيائه وإعادة ذِكره.

 

ماذا لو اكتشف الأمر بنفسه؟ هذا الاحتمال وارد، ودعينا نفترض الأسوأ: إذا اكتشف زوجك الأمر بنفسه، أو وصله خبر، فإن عليك أن تتبعي هذه الخطوات:

 

1- لا تنكري: اعترفي بأن هذا الأمر كان في الماضي، وأنك نادمة أشد الندم عليه، وأنك تبتِ إلى الله منه توبة نصوحًا.

 

2- أبرزي التغيير الإيجابي: اشرحي له كيف أن هذا الذنب كان سببًا في عودتك إلى الله، وكيف أنك تغيرت للأفضل، وأصبحت أكثر التزامًا وقربًا من الله.

 

3- تحمَّلي رد فعله حتى يتجاوزه: لا تكابري، ولا تهاجمي، ولا تتهمي، وأظهري الانكسار والندم، صلِّي وادعي الله أن يليِّن قلب زوجك، وأن يفتح بصيرته ليرى صدق توبتك. فإن كان إنسانًا صالحًا وعاقلًا، فسيتفهم هذا الأمر، وسيقدر توبتك وندمك، وسيفرح لأن الله هداك. تذكري أن الله -تعالى- يختبرنا ببعض المواقف ليُظهر لنا حقيقة من حولنا.

 

4- اتركيه يقرر: في النهاية، قرار الزوج بالاستمرار أو الانفصال هو بيده. ولكن تذكري أنك فعلتِ ما أمرك الله به من الستر والتوبة. وإذا اختار الانفصال، فاعلمي أن الله سيعوِّضك خيرًا. فقد يكون هذا الشخص ليس الأنسب لك، وأن الله يخبِّئ لك من هو أفضل، يتفهم طبيعة التوبة وقيمة الستر.

 

وختامًا يا ابنتي، لا تدعي وسواس الخوف يسيطر عليك، وركزي على حاضرك ومستقبلك، واستمري في تقوية علاقتك بالله. ثقي تمامًا أن باب رحمة الله أوسع من أي ذنب، وأن ستره -سبحانه وتعالى- أعم وأشمل من أي مخاوف.

 

أسأل الله أن يسكِّن قلبك، وأن يملأه طمأنينة وسكينة، وأن يثبِّتك على طريق الهداية. وتابعينا بأخبارك.

الرابط المختصر :