الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : وساوس وشكوك
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
139 - رقم الاستشارة : 2446
21/08/2025
أنا وزوجتي متدينان، ومضى على زواجنا بضعة شهور. ونعيش في بلد مليء بالمنكرات والمعاصي والبعد عن الدين، في شوارعه وبيوته ومؤسساته. نشعر بالخوف من إنجاب أطفال لا نستطيع حمايتهم من هذا التيار الجارف، ولا تربيتهم على الدين والأخلاق.
هل يُعدّ هذا تفكيرًا مشروعًا؟ أم أنه ضعف توكل واعتراض على قدر الله؟
هل يجوز لنا تأخير الإنجاب حتى يجعل الله لنا مخرجًا؟
أرجو الإجابة بالأدلة الشرعية حتى يستريح قلبي وقلب زوجتي لما يقدره الله لنا.
مرحبًا بك أيها السائل الكريم، وبارك الله فيك وفي زوجتك، وأسأله –سبحانه- أن يبارك في زواجكما ويحفظكما من كل سوء، وبعد...
فإن سؤالك يعبر عن حال كثير من الأزواج الصالحين الذين يخشون على ذريتهم من فتنة هذا الزمان، ويُظهر مدى حرصكما على تربية أبنائكما تربية صالحة. وهذا الحرص ليس ضعفًا في التوكل؛ بل هو في الحقيقة عين التوكل وتمام السعي؛ لأن المتوكل على الله لا يكتفي بالدعاء والعمل القلبي؛ بل يأخذ بالأسباب ويسعى لحماية نفسه وأسرته.
هل يُعدّ هذا التفكير مشروعًا؟
إن شعورك وزوجتك بالخوف على الأبناء في زمن الفتن هو شعور مشروع؛ بل يدل على فطرتكما السليمة. إن الإسلام يحثنا على حماية أبنائنا من الانحراف والضياع، وهذا جزء أساسي من مسؤولية الأبوين. فالأبناء ليسوا مجرد زينة إضافية للعائلة؛ بل هم أمانة في أعناقنا، كما قال النبي ﷺ: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها» [رواه البخاري].
إن الخوف الذي تشعر به ليس اعتراضًا على قدر الله؛ بل هو من باب الأخذ بالأسباب. والتوكل على الله لا يعني أن نلقي بأنفسنا في التهلكة ونقول: توكلنا على الله؛ بل يعني أن نفعل ما بوسعنا لسلامة أبنائنا، ثم نترك الأمر لله.
والله تعالى أمرنا بأن نقي أنفسنا وأهلينا من النار، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [سورة التحريم: 6]. وهذا الوقاية لا تكون إلا بالتربية السليمة، والأخذ بالأسباب لحماية الأبناء.
هل يجوز تأخير الإنجاب؟
تأخير الإنجاب لغرض مشروع، كالاستعداد لتربية الأبناء تربية صحيحة، أو لظروف مادية أو صحية، هو أمر جائز في الشريعة الإسلامية. ولا يوجد نص صريح في القرآن أو السنة يوجب الإنجاب على الفور. ولقد أباح النبي ﷺ العزل، وهو وسيلة من وسائل منع الحمل، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: «كنا نَعْزِلُ على عهدِ رسولِ اللهِ والقرآنُ ينزلُ» وفي رواية: «كنا نَعْزِلُ على عهدِ رسولِ اللهِ، فبَلغ ذلك رسولَ اللهِ فلم يَنْهَنا» [متفق عليه]. وهذا يدل على أن النبي ﷺ لم ينهَ عن تأخير الإنجاب بوسيلة العزل، وهذا يفيد الإباحة. وعليه، فما دام القصد من التأخير هو الاستعداد الأفضل والحرص على التربية الصالحة، فلا حرج في ذلك.
ولكن يا أخي الكريم، لا تدع هذه المخاوف تسيطر عليكما وتُعيقكما عن الإقبال على نعمة الذرية الصالحة. تذكَّروا أن الله هو الرزاق، وهو الحافظ، وأن تربية الأبناء هي جهاد عظيم، وثمرته العون في الدنيا والجنة في الآخرة.
وأنصحكما بما يلي:
1- توكلا على الله حق التوكل:
اعلما أن الله إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون. فإذا رزقكما الله بولد فإنه سييسر لكما سبل تربيته، فالرزق لا يقتصر على المال والطعام؛ بل يشمل الهداية والسكينة. والله تعالى قال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [سورة الطلاق: 2 و3].
2- أنتما الحصن المنيع:
نعم إن الأبناء يتأثرون ببيئتهم، ولكن الأب والأم هما الحصن الأول. فإذا كان بيتكما مليئًا بالصلاح، بالقرآن، بالصلاة، بالأخلاق الحسنة، بالالتزام، فإن هذا سيترك أثرًا عميقًا في نفوس الأبناء، يحميهم ويكون لهم ذخرًا وعونًا في مواجهة مفاسد المجتمع.
3- الدعاء سلاح المؤمن:
أكثرا من الدعاء أن يرزقكما الله ذرية صالحة، وأن يحفظها من كل مكروه وسوء. تذكرا دعاء عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [سورة الفرقان: 74].
وختامًا يا أخي الكريم، إن تربية الأبناء الصالحين في هذا الزمان جهاد عظيم، وثوابه عند الله عظيم. فلا تجعلوا الخوف من المستقبل يحجب عنكما نعمة الذرية. إن الله الذي يحمل إليكم هذا الهمَّ هو الذي سيعينكم عليه. إن قَدَر الله خير كله، وإن الأمر كله بيد الله.
أسأل الله أن يطمئن قلبيكما، وأن يرزقكما الذرية الصالحة التي تكون قرة عين لكما في الدنيا والآخرة.