أقول على «السوشيال» ما لا أفعل.. هل أعتزل لإصلاح نفسي؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : وساوس وشكوك
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 129
  • رقم الاستشارة : 2584
02/09/2025

أنا أوقات بكتب خواطر دينية ونصايح على السوشيال ميديا، بس بصراحة بيني وبين حالي مقصرة كتير، ويمكن بكون عم خالف اللي بنصح فيه. خايفة أكون من هدول اللي يقولون ما لا يفعلون.

هل باخد أجر على الشي اللي بنشره رغم إني مو ملتزمة فيه كتير؟

وهل أستمر في الكتابة والنشر؟ وللا أبطل حتى أصلح حالي؟

الإجابة 02/09/2025

مرحبًا بك أختي الكريمة، وأسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يفتح عليك أبواب الخير، وأن يثبت قلبك على الحق، ويجعل ما تكتبين وما تنشرين، مما يدل الناس على الخير، نورًا لك في الدنيا والآخرة، وبعد...

 

النية أساس العمل

 

لا شك أنك تأخذين أجرًا على كل كلمة تكتبينها بقصد الخير، وكل نصيحة تنشرينها بقصد الهداية، حتى وإن كنتِ مقصرة في تطبيقها. فالنية الصادقة هي أساس العمل الصالح. فأنت عندما تكتبين تنوين نشر الخير، وتذكير الناس بالله، وتوجيههم إلى الصراط المستقيم، وهذه النية الصالحة لا يضيع أجرها عند الله. وقد قال النبي ﷺ: «الدال على الخير كفاعله» [رواه مسلم]. فمجرد دلالتك للناس على الخير، يجعلك شريكة في أجر كل من يعمل به، وهذا فضل عظيم من الله تعالى.

 

إن الله -سبحانه وتعالى- لا يضيع أجر المحسنين، حتى لو كانت إحساناتهم في شكل كلمة أو فكرة. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: 30]. وإن إحسانك للناس بالنصيحة والموعظة الحسنة هو عمل صالح لا يمكن أن يضيع.

 

استمري ولا تتوقفي

 

إن الخوف من أن تكوني من «الذين يقولون ما لا يفعلون» هو خوف في محله، ولكن هذا الخوف يجب أن يكون حافزًا لك لا مثبِّطًا.

 

لا تتوقفي عن الكتابة والنشر؛ بل استمري، واجعلي كتاباتك مرآة لنفسك أولًا. كلما كتبْتِ نصيحة، استشعري أولًا أنها موجهة لك أنت، ثم بعد ذلك انشريها للناس. بهذه الطريقة، تكون كتاباتك حافزًا لك أنتِ أولًا للالتزام بما تقولين، وبذلك تتحولين من مجرد ناصحة إلى عاملة بما تنصحين به. روي عن أحد السلف أنه قال: «ما جلستُ مجلسًا، ولا تكلمتُ كلامًا، إِلا قدمته لنَفْسي أولًا»، فاجعلي نصائحك من قلبك إلى قلبك أولًا، ثم إلى قلوب الآخرين.

 

لو أن كل إنسان مقصِّر توقف عن نشر الخير حتى يصبح مثاليًّا، لَخَلَتْ الساحة من الدعاة والناصحين. ولكن الله -سبحانه وتعالى- يريد منا أن نبقى على طريق الخير، وأن نكون سببًا في هداية غيرنا، حتى وإن كنا نعاني ضعفًا في جانب ما. روي عن أحد السلف قوله: «لو لم يعظِ الناسَ إِلا مَنْ كان كاملًا، لَخَلَتِ المساجد من الوعاظ». فلا تنتظري الكمال لتنطلقي؛ بل انطلقي، وسيحفزك الطريق على أن تتقدمي نحو الكمال.

 

إن تركك للكتابة لن يصلح من حالك؛ بل قد يضيف إليك ذنب إخفاء العلم. قال النبي ﷺ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكتَمَهُ، أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رواه أبو داود]. فلا تخفي النور الذي في نفسك؛ بل دعيه يضيء للآخرين، وفي المقابل وعلى التوازي، اعملي على إصلاح ما بينك وبين ربك.

 

اجمعي بين الخيرين

 

الخلاصة يا أختي: إن الحل لا يكمن في الاختيار بين شيئين (إما الكتابة وإما إصلاح النفس)؛ بل يكمن في الجمع بينهما؛ فكلاهما خير لا تحرمي نفسك من أحدهما للتفرغ للآخر، ما دام يمكنك الجمع بينهما. اجعلي كتاباتك حافزًا لك، ودافعًا لك لإصلاح نفسك. مثلًا: كلما كتبتِ نصيحة عن الصدق، راقبي نفسك وكوني صادقة. وكلما كتبتِ عن الصلاة، اجتهدي في خشوعها.

 

إن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 2 و3]، ليس تهديدًا؛ بل هو تشجيع على الموازنة؛ ولاحظي أن الخطاب فيه للمؤمنين. إن الله يحب أن يرى العبد مجتهدًا في أن يكون قوله وفعله واحدًا، حتى لو لم يبلغ الكمال.

 

وختامًا أيتها الأخت الطيبة، لا تيأسي ولا تتوقفي. استمري في غرس بذور الخير، واسقيها بالعمل الصالح. اجعلي كل نصيحة تكتبينها عهدًا بينك وبين الله على أن تلتزمي بها. أسأل الله أن يبارك فيك، وفيما تكتبين وتنشرين، وفي كل جهد تبذلينه في سبيل الخير. دمتِ في رعاية الله وحفظه.

الرابط المختصر :