القلق من عدم قبول الطاعة.. وسوسة أم صدق إيمان؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : وساوس وشكوك
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 107
  • رقم الاستشارة : 2585
02/09/2025

أُؤدي عباداتي، وأحرص على ترك المعاصي، لكنني أعيش دائمًا في قلق: هل قبلها الله؟ هل كانت خالصة؟ هل تُردّ علي؟

هذا التفكير يتعبني، ويجعلني لا أفرح بالطاعة أبدًا.

هل هذا دليل صدق أم وسوسة؟

وهل للمؤمن أن يُسيء الظن بنفسه دون أن يُسيء الظن بربه؟

الإجابة 02/09/2025

مرحبًا بك أخي الكريم، وأشكر لك ثقتك التي وضعتها فينا، وأسأل الله العلي القدير أن يُبارك في عملك، ويتقبَّل منك صالح أعمالك، ويُزيل عنك ما أهمَّك، وبعد...

 

فإن هذا الشعور بالقلق من عدم قبول الأعمال هو في حقيقته وجهان لعملة واحدة: وجه قد يكون دليلًا على صدق الإيمان، ووجه آخر قد يكون وسوسة شيطانية.

 

وجهان لعملة واحدة

 

الوجه الأول: دليل صدق وإخلاص

 

إنَّ الخوف من عدم قبول الطاعة هو من صفات الصالحين والمتقين. إنهم لا يثقون بعملهم، ولا يعتمدون عليه؛ بل يعتمدون على رحمة الله وفضله. هذا الشعور يُشبه شعور المزارع الذي يزرع أرضه بجهد وتفانٍ؛ لكنه يبقى قلقًا من مصير زرعه، هل سيُثمر؟ هل ستصيبه آفة؟ هذا القلق ليس شكًّا في قدرة الله؛ بل هو قلق يدفعه للاستزادة من الأسباب، والتوكل على مُسَبِّبها.

 

لقد وصف الله حال هؤلاء في القرآن الكريم بقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون: 60]. وسألت عائشة –رضي الله عنها- رسولَ اللهِ ﷺ عن هذه الآيةِ، فقال: أهم الذين يَشرَبونَ الخَمرَ ويَسرِقونَ؟ فقال ﷺ: «لا يا بِنتَ الصِّديقِ، ولكِنَّهم الذين يصومون ويُصَلُّونَ ويتصَدَّقون وهم يخافون ألَّا تُقبَلَ منهم، أولئك الذين يسارِعونَ في الخيراتِ وهم لها سابِقونَ» [رواه الترمذي]. فهذا هو الخوف الذي يُولِّد الحرص على الإتقان والإخلاص.

 

الوجه الثاني: وسوسة شيطانية

 

من جهة أخرى، قد يكون هذا القلق وسيلةً من وسائل الشيطان ليُفسد عليك طاعتك ويُحبطك. فالشيطان لا يهدأ له بال حتى يُبعدك عن العبادة، فإن لم يستطع أن يمنعك منها، سعى ليُفسد عليك لذتها وحلاوتها، ويُحوِّلهما إلى مرارة وشَك، ويُقنعك بأن عملك لن يُقبل، فيُصيبك بالإحباط واليأس، وبالتالي تُصبح العبادة عليك ثقيلة، فتتركها أو تُقلِّل منها. وهذا هو ما يُميّز وسوسة الشيطان: أنها تُورِثُ اليأس، وتُذهب الأمل، وتُفسد عليك حلاوة الإيمان.

 

حسن الظن بالله وسوء الظن بالنفس

 

نعم، يا أخي الكريم، فهذا هو ميزان الإيمان السليم: حسن الظن بالله، وسوء الظن بالنفس، وهذا هو الذي يجعل المؤمن يعيش في حالةٍ من التوازن بين الخوف والرجاء.

 

حسن الظن بالله: بأنَّ الله -جلّ وعلا- قد فتح لك باب التوبة، وأمرك بالعبادة، ووعدك بالقبول، وسوء الظن بالله هو القنوط من رحمته، واليأس من فضله. يقول الله -سبحانه- في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي» [رواه البخاري]. فكيف تظن به ظنًّا سيئًا وهو الذي بيده مقاليد الأمور؟

 

سوء الظن بالنفس: إنَّ سوء الظن بالنفس هو الذي يدفعها إلى التواضع، وعدم العُجب، والحرص على إتقان العمل. إنك تُحاسب نفسك لتطهرها وتزكيها. رُوي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: «لو نادى منادٍ يوم القيامة: أيها الناس كلكم يدخل الجنة إلا واحدًا، لخفت أن أكون هو»! هذا ليس يأسًا؛ بل هو شعورٌ بالتقصير يُولِّدُ الاستزادة من الطاعات، ويُبعد عن النفس العُجب.

 

كيف تتخلص من هذا القلق؟

 

لكي تُعيد لقلبك حلاوة الطاعة، عليك أن تُحوِّل هذا القلق من حالة سلبية إلى حالة إيجابية مُحفِّزة، وذلك عن طريق:

 

1- اجمع بين الخوف والرجاء: اجعل خوفك من عدم القبول دافعًا لك للإخلاص، واجعل رجاءك في رحمة الله سببًا لعدم اليأس. تخيل أنك طفلٌ يتيمٌ في هذا الكون، ليس له إلا الله، فهو يُحاول أن يُرضيه بشتى الطرق، فهل يُعقل أن يُخيّب الله أمله؟

 

2- استحضر صفات الله: تذكَّر أنَّك تتعامل مع ربٍّ كريمٍ، غفورٍ، ودود، يتقبل من عبده المخلص أقل القليل، ويثيبه عليه الثواب الجزيل؛ لا بما يكافئ قيمة عمل العبد؛ ولكن بما يكافئ جلال وجهه سبحانه، وعظيم سلطانه، وسعة ملكه، وكرمه ومنَّه.

 

3- لا تحقرن عملك: لا تقلل من شأن عملك، فالله قد يتقبل منك عملًا صغيرًا خالصًا لوجهه، فيغفر لك به جميع ذنوبك. وتذكّر –مثلًا- المرأة البغي التي أخبر عنها النبي ﷺ أنها سقت كلبًا كان يلهث من العطش، فغفر الله لها بذلك العمل الذي قد نراه صغيرًا، ولكن الله أعطى عليه الثواب العظيم. [الحديث رواه البخاري].

 

4- أكثِر من الاستغفار والدعاء: اجعل الاستغفار بعد كل عمل صالح تعمله دليلًا على اعترافك بالتقصير في جنب الله. ولقد كان النبي ﷺ إذا سلَّم من الصلاة استغفر ثلاثًا، وهذا من باب التواضع والاعتراف بالتقصير، وليس شكًّا في قبول الصلاة.

 

5- اجتهد في تحري الإخلاص: ركِّز على أن يكون عملك خالصًا لوجه الله، ثم سلِّم أمرك لله ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]، وثِق بأن الله لا يضيع أجرك إن أحسنت العمل: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾ [الكهف: 30]، وما كان الله أبدًا ليضيع إيمانك: ﴿ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة: 143].

 

وختامًا أخي الكريم، أسأل الله أن يتقبّل منك صالح عملك، وأن يُبارك لك فيه، وأن يُزيل عن قلبك الهم، وأن يدخلك في زمرة عباده الصالحين، الذين يعملون وهم مطمئنون لفضل ربهم ولطفه ورحمته وكرمه.

الرابط المختصر :