كيف نتعامل مع زميل يجاهر بالمعصية ويرُد بالإهانة؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : فئات المدعوين
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 54
  • رقم الاستشارة : 3005
23/10/2025

السلام عليكم

بنستشير حضراتكم في مشكلة مع زميل لينا في الشغل، بيجاهر بمعصية واضحة قدام الناس ومُصر عليها، ولو حد فكر ينصحه أو يكلمه بالذوق، بيقلب عليه ويشتمه ويسخر منه بشكل جارح.

إيه التصرف الصح مع زميل زي ده؟

هل لازم نفضل ننصحه بالرغم من الإهانة والمشاكل اللي بتجيلنا منه، وللا الأفضل إننا نبعد عنه ونهجره عشان نبعد عن شره؟

الإجابة 23/10/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك أخي الفاضل، وأشكرك جزيل الشكر على مراسلتنا، وعلى حرصك على القيام بواجبك الدعوي تجاه زميلك، أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يشرح صدرك، ويُنوِّر بصيرتك، ويُلهمك الرشد والصواب في كل خطوة تخطوها، وأن يجعل عملك في نصح زملائك وتقديم الخير لهم في ميزان حسناتك، وأن يُعيننا وإياك على هداية الضال وإصلاح الحال، وبعد...

 

فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل هذه الأمة «خير أمة» بسبب تمسكها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح والإرشاد. قال الله تعالى: ﴿كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ﴾ [سورة آل عمران: 110]. ويُخبرنا النبي أنَّ هذا الدين مبني على النصيحة، حيث قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قالوا: لِمَن؟ قال: «لِلَّهِ، ولِكِتابِهِ، ولِرَسولِهِ، ولِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ» [رواه مسلم].

 

ومع ذلك، فإنَّ التعامل مع شخص مُجاهِر بالمعصية ومُصرّ عليها، ومُقابل للنصيحة بالرد العنيف والإساءة، يتطلب حكمة بالغة، وتوازنًا بين المسؤولية الدينية، والعلاقات الإنسانية في محيط العمل؛ حيث تجب موازنة واجب النصح مع طبيعة رد المنصوح، ومعرفة أن مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست واجبًا فرديًّا فقط، بل هي واجب كفائي (على المجتمع المحيط)، وواجب فردي بقدر الاستطاعة. وقد وضع النبي ﷺ قاعدة التعامل مع المنكر، فقال: «مَن رَأى مِنكُم مُنكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذَلِكَ أضْعَفُ الإيمانِ» [رواه مسلم]. وما قمتم به من نصح هو عين تطبيق جزء «فَبِلِسانِهِ».

 

ولكن ما العمل عندما يكون رد الفعل هو الـصد والإهانة والشتم؟

 

العمل هو الاستمرار الحكيم، أي تستمرون في النصيحة ما وُجِدَ أمل ولو ضئيلا، بشرط أن تتغير آليتها وشكلها. لا تظنوا أن النصح المباشر هو الحل الوحيد. فيمكنكم التلميح عبر الوعظ العام في مناسبات مختلفة، أو إرسال مقاطع وخواطر إيمانية بشكل عام دون توجيهها لشخصه، أو الحديث عن قصص التائبين، أو التركيز على إظهار محاسن ترك المعصية، بدلًا من التركيز على ذمِّ المعصية.

 

ولا تتركوا الرفق وإظهار المحبة له مهما كان رد فعله قاسيًا. حاولوا أن تُقابلوا الإساءة بالإحسان قدر الإمكان. وتذكروا قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وكيف عالج النبي ﷺ الموقف. فالأصل هو التيسير وعدم التنفير، حتى في التعامل مع الخطأ الواضح.

 

وما دمتم قد نصحتم مرة أو مرتين، وواجهتم الرد العنيف، فليس من الحكمة ولا من الشرع أن تُكرروا النصيحة بالطريقة نفسها التي تؤدي إلى زيادة المفسدة (الشتم، الإهانة، العداوة). فمن شروط إنكار المنكر ألا يُفضي إلى منكر أعظم منه، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.

 

هل الأفضل أن تهجروه لتبتعدوا عن شرِّه؟

 

مسألة الهجر (القطيعة) في الإسلام هي علاج تربوي وسلاح ذو حدين، لا يُلجأ إليه إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى، أو عندما تكون مصلحة الهجر أكبر من مفسدته. ويكون بقصد ردع العاصي وتأديبه وزجره عن معصيته، بشرطين أساسيين:

 

أن يكون الهجر مؤثرًا: أي أن يُحتمل أن يُؤدي الهجر إلى رجوع الشخص عن معصيته أو تخفيفها.

 

وألا يؤدي الهجر إلى مفسدة أكبر: كأن يُؤدي إلى زيادة عناده أو وقوعه في معصية أشد أو التمادي في العداوة والبغضاء.

 

وبالتطبيق على حالة زميلكم: إذا كان زميلكم يُقابل النصح بالإساءة والعداوة والسخرية، فإنّ الانتقال إلى مرحلة الهجر قد يكون الخيار الأرجح، ولكن يجب أن يكون هجرًا حكيمًا، فهو هجر جزئي لا كلي، أي: ابتعدوا عن مجالسته في وقت ارتكابه للمعصية أو مجاهرته بها، مع تقليل المخالطة غير الضرورية.

 

وتجنَّبوا الدخول في أي نقاش أو جدال معه حول المعصية التي يفعلها، والهدف من ذلك حماية أنفسكم من الأذى اللفظي، وعدم إعطاء المعصية أي شرعية (برفضكم مجالسته وهو واقع فيها)، وإيصال رسالة غير مباشرة بالرفض دون الاصطدام المباشر. لكن لا تقطعوا السلام عليه أو التعامل المهني معه، مراعاة لحق الجوار والزمالة.

 

وتذكروا دائمًا أن الله –تعالى- يُوصينا بالحسنى والتي هي أحسن، حتى في التعامل مع أهل الكتاب والمخالفين، فكيف بأخيك المسلم الذي ضلَّ الطريق؟

 

العلاج السري والسلاح المؤثر

 

أخي الفاضل، إنَّ أعظم دور لكم الآن ليس هو المواجهة المباشرة التي تُقابَل بالإهانة، بل هو الدعاء الصادق.

 

فاستمروا في الدعاء له بظهر الغيب بالهداية والرجوع إلى الله. ربما كلمة صادقة خرجت من قلبك، أو دعوة رفعتها لله في سجودك تكون سببًا في تغيير حاله. إنَّ قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبها كيف يشاء.

 

ولا تنسوا دعوته بالقدوة الحسنة، فكثير من العصاة لا يتأثرون بالنصح اللفظي قدر تأثرهم بالقدوة الحسنة والتعامل الطيب.

 

تخيلوا لو أنكم سألتم عنه عند مرضه، أو ساعدتموه في أمر من أمور العمل دون منَّة أو تذكير بالخطأ، وعاملتموه بمهنية واحترام، وكنتم قدوة له في العمل المتقن والأخلاق الفاضلة.

هذا الأسلوب الهادئ غير المباشر والبعيد عن الاصطدام، سيجعله يفكر في نفسه: «كيف لهؤلاء أن يعاملوني بهذا الإحسان رغم ما يَرَوْن مني؟» ويعيد النظر فيما يفعله.

 

وختامًا أخي الفاضل، اعلم أن الهداية بيد الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يَشاءُ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ﴾ [سورة القصص: 56]. وثق بأنَّ ما تقوم به أنت وزملاؤك هو نابع من محبة الخير، فاحتسبوا أجوركم على الله. وأسأل الله أن يُعينكم، ويُسدد خطاكم، ويبارك فيكم، ويتقبل منكم.

 

روابط ذات صلة:

أخي سيئ الخلق.. ندعوه أم نقاطعه؟

يستهزئ بنصيحتي ولا يتقبلها.. كيف أتعامل معه؟

بين الحب والحق.. كيف أنصح صديق عمري العاصي؟

كيف أتعامل مع زميل يثير الشبهات حول الصلاة والدين؟

الرابط المختصر :