كيف أزرع حب الالتزام وحلاوة التدين في قلوب إخوتي الصغار؟

Consultation Image

الإستشارة 15/10/2025

تسألني إحدى الأخوات بصدق وحرصٍ واضح على من تحب، فتقول: "أنا فتاة نشأت في بيت مسلم وأحاول قدر جهدي أن أكون قريبة من الله، وأسلك طريق الطاعة، وأجاهد نفسي على الثبات. لكن عندي إخوة أصغر مني سنًا، أرى فيهم لهو الشباب، وفتنة العصر، والانشغال بالألعاب، أو بمواقع التواصل، أو ببعض ما قد يبعدهم عن الطريق المستقيم. يؤلمني أن أراهم يتهاونون في الصلاة أحيانًا، أو يتأخرون عن الطاعة، أو لا يبدون شغفًا بالقرآن والعبادة كما أرجو لهم. وأنا بحكم أني الأخت الكبرى، أشعر بمسؤولية في قلبي تجاههم، وأتساءل: كيف أستطيع أن أغرس في قلوب إخوتي الصغار حب الالتزام، والاعتزاز بالدين، والتعلق بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، من غير أن أكون قاسية أو أن أنفرهم؟ أريد خطوات عملية مؤثرة تجمع بين التربية بالقدوة، والرفق، والوسائل المناسبة لزمننا. فبماذا تنصحونني؟".

الإجابة 15/10/2025

بسم الله الرحمن الرحيم..

 

الحمد لله الذي شرّفنا بالإسلام، وجعلنا من أمة محمد خير الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، وبارك الله في قلبكِ الحي الذي امتلأ حرصًا على إخوتك، وصدقًا في حب الخير لهم. وأسأل الله أن يقرّ عينك بصلاحهم، وأن يجعل دعوتك لهم في ميزان حسناتك، وأن يرزقك الحكمة والرفق في قولك وعملك.

 

سؤالك عظيم، فهو سؤال عن التربية الإيمانية، وعن كيفية بناء أجيال مسلمة تحب الدين عن قناعة وذوق وسعادة داخلية، لا عن قسر أو إلزام.

 

لذا اسمحي لي أن أقوم بتنسيق الجواب وتصنيفه في النقاط التالية؛ لعلها تفيدك عمليًّا فيما سألتِ عنه، وبيان ذلك على النّحو التالي:

 

إدراك طبيعة المرحلة العمرية

 

* إخوتك الصغار يمرون بمرحلة يغلب عليها حب الحرية والتجربة، والانجذاب إلى ما هو ممتع وسهل. فلا بد أن يُراعى ذلك في تربيتهم.

 

* النبي ﷺ فهم هذا حين راعى الأطفال في لعبهم ومرحهم، ومع ذلك كان يغرس فيهم معاني عظيمة. فعن أنس رضي الله عنه قال: (خدمت النبي ﷺ عشر سنين، فما قال لي: أُفٍّ قط، وما قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟) معنى هذا أن التربية تبدأ بالرحمة والقدوة، لا بالتأنيب والتوبيخ.

 

غرس الحب قبل التكليف

 

* القرآن الكريم حين أراد أن يأمر بالصلاة، سبق ذلك بالحديث عن نعيم الله ورحمته. قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾.

 

* التربية الحقيقية تعني أن نحببهم في الصلاة، لا أن نجعلها مجرد أوامر. فحين يشعر الطفل أن الصلاة وصلة بربه الذي يحبه، فإنه يقبل عليها بنفس راضية.

 

* اجعلي إخوتك يسمعون القصص التي تربط الإيمان بالرحمة والسعادة، مثل قصص الصحابة الصغار الذين أحبوا الدين بقلوبهم قبل جوارحهم: كقصة عليّ رضي الله عنه الذي أسلم صغيرًا، وقصة أسامة بن زيد الذي كان قائدًا للجيش وهو في سن الشباب.

 

التربية بالقدوة

 

* أعظم وسيلة لتربية إخوتك هي أن يروا الالتزام حيًّا فيكِ. فالقدوة الصامتة أبلغ من آلاف الكلمات.

 

* إذا رأوكِ محافظة على صلاتك بخشوع، قارئة للقرآن بخشية، رحيمة بوالديك، مبتسمة في وجههم، فسوف يتأثرون دون شعور.

 

* النبي ﷺ لم يكن يكتفي بالوعظ، بل كان يُري أصحابه الدين حيًّا. فقد وُصِف: (كان خلقه القرآن).

 

الرفق والتدرج

 

* الشرع كله قائم على التدرج، حتى تحريم الخمر لم يأت دفعة واحدة، بل نزل على مراحل.

 

* هكذا ينبغي أن يكون غرس التدين: خطوة بخطوة. لا تطالبيهم بالكمال فجأة، بل ابدئي بالأهم فالأهم: أولاً الصلاة، ثم قراءة شيء يسير من القرآن، ثم المشاركة في نشاط إيماني جماعي.

 

* وتذكري وصية النبي ﷺ: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه).

 

استخدام الأساليب المعاصرة الجاذبة

 

* الشباب اليوم ينجذبون إلى الصور والمقاطع القصيرة والألعاب الإلكترونية. فلماذا لا نستخدم هذه الوسائل لنوصل لهم القيم؟

 

* يمكنك أن ترسلي لهم مقاطع مؤثرة عن الصلاة أو الإيمان، أو أن تحضري لهم كتبًا وقصصًا مبسطة تناسب أعمارهم.

 

* اجعلي جلساتكم العائلية ممتعة، فيها مزيج من المرح والتربية، فالرسول ﷺ كان يمزح مع أصحابه وأولاده، لكنه لا يقول إلا حقًّا.

 

إشراكهم في عمل جماعي خيري

 

* من أقوى ما يزرع الالتزام: إشراك الشباب في أنشطة جماعية تنفع غيرهم.

 

* اجعلي إخوتك يشاركون في توزيع طعام على الفقراء، أو زيارة دار أيتام، أو المشاركة في عمل تطوعي. حين يذوقون لذة العطاء، يشعرون بمعنى التدين العملي.

 

* عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأخذ أبناءه معه ليشهدوا المواقف العظيمة، فيتعلموا بالمشاهدة والمشاركة.

 

الدعاء سرّ النجاح

 

لا تنسي أن القلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. فكما تدعين لهم بالرزق والنجاح، اجعلي أهم دعائك: أن يشرح الله صدورهم للإيمان. وتأملي دعاء إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾

 

وصايا عملية مختصرة

 

1. كوني لهم أختًا رحيمة أكثر من كونك معلمة أو آمرة.

 

2. لا تنسي مدحهم وتشجيعهم على كل خطوة خير يفعلونها، ولو كانت صغيرة.

 

3. اربطي الطاعات بالمتعة: اجعلوا جلسة القرآن مرتبطة بجو أسري دافئ، أو مكافأة محببة.

 

4. اجعليهم يشعرون أن التدين قوة وبهجة، لا ثِقلًا ولا كآبة.

 

أيتها الأخت الكريمة، لقد سألتِ سؤالًا عظيمًا يدل على قلب حي ونفس صادقة، وبهذا تكونين قد وضعت قدمك على الطريق الصحيح لتكوني سببًا في هداية إخوتك. اجعلي همّك أن تزرعي البذور، وأما الثمار فبيد الله، ولن يضيع تعبك.

 

اللهم احفظ هذه الأخت السائلة، وبارك في إخوتها، واجعلهم قرة عين لها ولوالديهم، واجعلهم من شباب الإسلام الصالحين المصلحين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

روابط ذات صلة:

منهج الحب النبوي.. كيف ربى النبي ﷺ جيلاً فريداً من الأطفال؟

كيف أربي أبنائي على الذوق والأدب ليكونوا قدوة في الأخلاق والسلوك؟

كيفية الاستفادة من وقت اللعب في تعليم الأطفال

الرابط المختصر :