الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : فئات المدعوين
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
216 - رقم الاستشارة : 2334
11/08/2025
رزقني الله الهداية والاستقامة بعد فترةٍ من الغفلة. ومنذ أن منَّ الله عليَّ بالعودة إلى طريق الحق، أصبحت حريصًا على أداء الصلوات في أوقاتها، وخاصةً في المسجد، وأجاهد نفسي على غض البصر، وأبتعد عن الكثير من العادات الاجتماعية التي لا تُوافق شرعنا الحنيف، كالاجتماعات المختلطة والخروج مع الأصدقاء في أماكن اللهو.
هذا التغيير الذي طرأ على حياتي لم يُسعد زوجتي كما توقعت، بل أصبحت تُعاني من ضيقٍ شديد، وتُبدي انزعاجها الدائم. تقول إنّني "أُحرجها" أمام أهلها وأقاربها، فهم غير ملتزمين بمثل هذا القدر من التدين. تُحس زوجتي بأنّني أُظهرهم بمظهر المقصرين أو أنني أتعالى عليهم بتديني، وهذا يُسبّب لها الكثير من الحرج في المناسبات العائلية، خاصةً وأنّ أهلها يعتبرون ما أفعله "تطرفًا" أو "تشددًا" غير مقبول.
لذلك، أستشيركم في مسألتين:
1- كيف أُقنع زوجتي بأنَّ التزامي بالدين لا يعني ازدراءً أو انتقاصًا من شأنها أو من شأن أهلها، بل هو فضلٌ من الله أسأله أن يُديمه علينا جميعًا؟
2- هل يجوز لي أن أتنازل عن بعض مظاهر التزامي، مثل عدم الذهاب إلى المسجد في بعض الأحيان والاكتفاء بالصلاة في البيت، أو التخفيف من بعض الأمور التي تُسبب لها الحرج، وذلك بقصد إرضائها ودرءًا للمشاكل في بيتي؟
مرحبًا بك أخي الكريم، وأهنئك على هذه النعمة العظيمة التي رزقك الله إياها؛ نعمة الالتزام بدينه، والحرص على طاعته، وأسأل الله أن يبارك فيك وفي سعيك للخير، وأن يثبتك ويجعلنا وإياك من عباده الصالحين، وبعد...
فيا أخي الحبيب، إنّ عودتك إلى الله بعد غفلة أمر مُفرح، يشبه عودة المسافر بعد غياب طويل إلى أهله ووطنه. وهذه العودة ليست مجرد تغيير في السلوك؛ بل هي تجديد للروح، وولادة جديدة للنفس، وفضل عظيم من الله، والله -سبحانه وتعالى- يقول في كتابه العزيز: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]. ففرحتك بهذه الهداية هي خيرٌ من كل متاع الدنيا.
وإنّ ما تواجهه من تحديات مع زوجتك وأهلها هو أمرٌ طبيعي، وهو اختبارٌ لك ولصبرك. فتذكَّر قول الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ . ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 2 و3].
كيف تقنع زوجتك بأن التزامك ليس ازدراءً ولا انتقاصًا؟
أخي العزيز، إنّ مفتاح هذا الأمر يكمن في الحب والحكمة والصبر. فزوجتك هي شريكة حياتك، وهي أقرب الناس إليك؛ لذلك، تعامل معها بكل حب ورحمة، واجعلها تشعر بأنّ هذا التغيير وهذا القرب من الله لم يُبعدك عنها؛ بل قرَّبك منها أكثر، وذلك عبر الوسائل التالية:
- القدوة الحسنة: خير وسيلة لإقناعها هي أن ترى فيك نموذجًا حيًّا للإسلام الحقيقي. اجعل التزامك مصدرًا للراحة والطمأنينة في البيت؛ لا مصدرًا للتوتر. كن أكثر حنانًا ورقةً معها، وأكثر صبرًا على أهلها. اجعلها ترى فيك الرجل الذي يحبها ويقدرها، ويخاف عليها في الدنيا والآخرة. يقول النبي ﷺ: «خيركم خيركم لأهله» [رواه الترمذي].
- الحوار الهادئ المُحب: لا تتحدث معها بصيغة الأمر أو التوبيخ؛ بل بصيغة النصح والحب. اجلس معها بهدوء، وأخبرها بحبك لها، وأنّ سبب التزامك هو خوفك على نفسك وعليها من النار، وحرصك على أن تكونا معًا في جنات النعيم. اجعلها تشعر بأنّك تريد لها الخير كما تريده لنفسك. واستشعر روح قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [طه: 132].
- التعامل الحسن مع أهلها: لا تجعل تدينك سببًا للقطيعة أو الجفاء مع أهل زوجتك؛ بل على العكس، كن قدوة حسنة في معاملتهم. ابتسم في وجوههم، واسأل عن أحوالهم، وشاركهم في أفراحهم بالقدر الذي لا يغضب الله. تعامل معهم بحسن الخلق، فقد قال النبي ﷺ: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا» [رواه الترمذي]. بهذا السلوك، ستكسر حاجز الخوف والريبة، وسيرون فيك الإنسان الذي يحمل في قلبه الخير للجميع.
هل يجوز التنازل عن بعض مظاهر الالتزام إرضاءً للزوجة؟
يا أخي الحبيب، إنّ إرضاء الزوجة وطاعتها في غير معصية هو من أعظم القربات. ولكن عندما يتعلق الأمر بحدود الله أو بالفرائض والواجبات، فإنّه لا يجوز لك أن تتنازل عن أي منها من أجل إرضاء أيِّ أحد. إنّ تركك فريضةً ما (بشرط أن تكون فريضة فعلًا) خوفًا من كلام الناس أو إرضاءً لزوجتك أو لأي إنسان، لا يجوز قطعًا؛ بل فيه إثم كبير فوق إثم الترك نفسه، فلا طاعة لمخلوق أبدًا في معصية الخالق.
ولكن يمكنك أن تتنازل في بعض الأمور التي ليست فرضًا (مثل المستحبات والمباحات) بتركها بعض الوقت أو تأجيلها، رفعًا للحرج إن وُجد. فيمكنك –مثلًا- أن تكون مرنًا في بعض العادات الاجتماعية التي لا تتعارض مع الدين، ويرجع في هذا لكلام الفقهاء في كل مسألة على حدة.
وختامًا أيها الحبيب، إنّ التوازن هو سر الحياة الزوجية السعيدة. فحاول أن تُوازن بين حق الله وحق زوجتك وأهلك. اجعل التزامك الديني سببًا لزيادة المحبة، وليس سببًا للفرقة والاختلاف.
إنّ صبرك على هذا الابتلاء هو جهادٌ عظيم، واعلم أنّ الله معك، ولن يضيعك. أكثر من الدعاء لزوجتك بالهداية، واطلب من الله أن يُلين قلبها ويرزقها حبّ الطاعة. واجعل في دعائك دائمًا: «اللهم اهدني، واهدِ زوجتي، واجمعنا على طاعتك، واجعلنا من عبادك الصالحين». رزقك الله التوفيق والسداد، وبارك فيك وفي أسرتك.