Consultation Image

الإستشارة 23/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أبٌ أسعى إلى تربية أبنائي على الأخلاق الحسنة والذوق الرفيع، وأريد أن أعلّمهم كيف يتعاملون مع الكبار والصغار بأدب واحترام، وأن يكونوا أصحاب سلوك حسن في الحياة اليومية.

لكنني ألاحظ في الواقع المعاصر ضعفًا في هذه القيم بين كثير من الناس، وانتشار الجفاء وقلة الذوق في التعامل. فكيف يمكنني أن أغرس فيهم هذه المعاني الراقية؟ وهل هناك توجيهات من الإسلام في هذا الجانب؟ وكيف أوازن بين تعليمهم السلوكيات الراقية دون أن أجعلهم متصنعين أو متكلفين؟ أرجو توجيهكم، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة 23/04/2025

أيها الأب المربي الكريم، مرحبًا بك معنا عبر بوابة الاستشارات، ونسأل الله تعالى أن يحفظك وذريتك من كل سوء، وهنيئا لك تفكيرك الراقي في تأديب وتربية الأبناء على الذوق الإسلامي، واسمح لي أن أحدد إجابتي في نقاط محدودة معنصرة، وذلك على النحو التالي:

 

أولاً: أهمية الذوق والأدب في الإسلام

 

الأدب والذوق في التعامل ليسا مجرد سلوكيات اجتماعية، بل هما من صميم تعاليم الإسلام؛ فالنبي ﷺ كان قدوة في حسن التعامل، وجعل الأخلاق الحسنة أساس الدين، فقال ﷺ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». كما أن الإسلام حثّ على الذوق الرفيع في الحديث، والجلوس، والأكل، والتعامل مع الناس؛ فالسلوك الحسن ليس رفاهية بل رسالة دعوية تعكس قيم المسلم في كل تعاملاته.

 

ثانيًا: مظاهر ضعف الذوق في الواقع المعاصر

 

في عصـرنا الحالي، نجد بعض مظاهر ضعف الذوق والأدب في الحياة اليومية، مثل:

 

* التعامل الجاف مع الآخرين وعدم مراعاة مشاعرهم.

 

* عدم احترام الكبار، سواء في البيوت أو الأماكن العامة.

 

* قلة التهذيب في الحديث ورفع الصوت أثناء الكلام.

 

* التصـرف بطريقة غير لائقة في الأماكن العامة، مثل إلقاء القمامة في الشوارع أو مقاطعة الآخرين أثناء الحديث.

 

لذلك -أيها الأب الكريم-: لا بد أن نربي أبناءنا على الذوق الإسلامي، ليكونوا قدوة صالحة في تعاملاتهم، ويؤدوا دورهم في إصلاح المجتمع بأخلاقهم الراقية.

 

ثالثًا: كيف نربي أبناءنا على الذوق الإسلامي؟

 

يمكن تربية الأبناء على الذوق الرفيع من خلال وصايا تربوية دعوية متميزة تشمل:

 

1) تعليمهم احترام الكبير والعطف على الصغير، ففي الحديث: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا»، فاجعل أبناءك يعتادون على احترام الكبار، مثل الوقوف لهم، وخفض الصوت عند الحديث معهم، وخدمتهم عند الحاجة، وعلِّمهم كيف يخاطبون الآخرين بعبارات مهذبة، مثل "لو سمحت"، "جزاك الله خيرًا"، "من فضلك".

 

2) غرس حسن الاستماع وعدم المقاطعة، فإنّ النبي ﷺ كان يستمع لمن يحدثه بكل انتباه، حتى للأعراب البسطاء، ودرّب أبناءك على عدم مقاطعة المتحدثين، والإنصات بأدب، وإظهار الاهتمام بما يقوله الآخرون.

 

3) تعويدهم على الذوق في الأكل والشـرب، فمن بين سنن النبي ﷺ الأكل باليمين، وعدم الإسراف، والأكل مما يليه، واجعلهم يعتادون على عدم إصدار أصوات مزعجة أثناء الأكل، والحفاظ على نظافة المائدة بعد الطعام.

 

4) تعليمهم آداب الطريق والمرافق العامة: قال النبي ﷺ: «إياكم والجلوس في الطرقات»، فقالوا: ما لنا بد من مجالسنا، فقال: «فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقه» (رواه البخاري ومسلم)، ثم بيّن أن من حق الطريق غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعلمهم عدم إلقاء القمامة في الأماكن العامة، والحرص على مساعدة كبار السن والمرضى في الشوارع والمواصلات.

 

5) تربية الأبناء على الذوق في الحديث، قال النبي ﷺ: «الكلمة الطيبة صدقة» (رواه البخاري)، ودرّبهم على اختيار الكلمات اللطيفة، وتجنب الكلمات القاسية أو الساخرة، مع تنبيههم إلى عدم رفع الصوت عند الحديث، اقتداءً بقول الله تعالى: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾.

 

6) ترسيخ قيمة الحياء وحسن اللباس، ففي الحديث: «الحياء لا يأتي إلا بخير» (رواه البخاري)، فعلمهم أن الذوق يشمل حسن المظهر، ولبس الملابس النظيفة والمرتبة، وتجنب الملابس غير اللائقة.

 

رابعًا: كيف تكون هذه التربية رسالة دعوية؟

 

عندما نربي أبناءنا على الذوق الإسلامي، فإنهم يصبحون دعاة بسلوكهم، فتكون معاملاتهم سببًا في هداية الآخرين، كما قال النبي ﷺ: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا» (رواه الترمذي).

 

ومن الأمثلة الواقعية:

 

* الطفل الذي يساعد عجوزًا في عبور الطريق يكون قدوة حسنة لمن يراه.

 

* الشاب الذي يحترم والديه أمام الناس يعكس إشراقة عن الأسرة المسلمة.

 

* الفتاة التي تتحدث بأدب وتعامل الآخرين بذوق تلفت الأنظار بسلوكها.

 

وختامًا: وصايا تربوية عملية للأب في غرس الذوق الإسلامي

 

1) كن قدوة لهم في السلوك؛ فالأطفال يتعلمون بالمشاهدة أكثر من الكلام.

 

2) علمهم الأدب في البيت أولًا؛ لأن من تعود حسن التعامل في البيت سيطبقه خارجه.

 

3) شجعهم على الأخلاق الحسنة بالمكافأة، وامتدح تصرفاتهم الجيدة أمام الآخرين.

 

4) اربطهم بسيرة النبي ﷺ، من خلال القصص التي تظهر حسن خلقه وذوقه الرفيع.

 

5) اجعل الذوق عادة يومية، من خلال التذكير المستمر دون إجبار أو تعنيف.

 

وأسأل الله أن يجعلك شامة بين أولادك، وأن يحفظهم ربي بحفظه، وتقبل تحياتي وسلامي لأسرتك وأولادك.

الرابط المختصر :