الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : فئات المدعوين
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
56 - رقم الاستشارة : 3021
20/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا أختكم في الله، خريجة جامعية، ولدي سؤال يؤرقني منذ فترة في مجال التربية. بحكم طبيعة شخصيتي أجد نفسي مرتاحة في التعامل مع الأطفال، بل أستمتع بقربهم وأشعر بانسجام معهم، وخاصة في المراحل الأولى من أعمارهم. غير أنني أواجه صعوبة حقيقية حين ينتقل الطفل من مرحلة الطفولة البسيطة إلى مرحلة المراهقة الأولى، أي ما بين سن الثانية عشرة إلى السادسة عشرة تقريبًا.
في هذا العمر تتبدل ملامح الطفل، ويبدأ صوته الداخلي بالارتفاع، وتزداد رغبته في الاستقلال والاعتراض، وهنا أشعر أن أدواتي التربوية لم تعد كافية. إن أنا تعاملت معه بلينٍ ولطفٍ وجدت منه تفلّتًا، وإن تعاملت معه بشيء من الحزم أو الشدة وجدته ينفر ويستفز، فأقف مترددة بين هذا وذاك.
سؤالي: هل من طريقة واضحة أو منهج متوازن يساعدني على التواصل مع هذه الفئة العمرية دون أن أجد منهم استنفارًا أو تفلّتًا؟ وهل هناك إرشادات عملية أو نصائح نبوية وتربوية تساعدني على التعامل مع هذه المرحلة الدقيقة من حياة الأبناء؟
جزاكم الله خيرًا، وأسأل الله تعالى أن يعيننا جميعًا على أن نكون خير خلف لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حمل رسالته وتربية الأجيال على هديه.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أختنا الكريمة..
حياكِ الله، وبارك فيكِ، وجعل همّك في تربية النشء في ميزان حسناتك، ورزقك الحكمة في القول والعمل، وأعانك على حمل هذه الرسالة العظيمة، رسالة التربية التي قال فيها النبيﷺ: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).
سؤالك عميق ويدل على حس تربوي صادق، وهو سؤال يطرحه كثير من المربين والمعلمين والآباء والأمهات؛ إذ إن التعامل مع مرحلة المراهقة يُعد من أدق المراحل وأكثرها حاجة إلى الفقه والحكمة والرحمة.
دعينا نرتب الجواب في محاور متسلسلة متكاملة:
فهم طبيعة المرحلة العمرية
المراهقة ما بين الثانية عشرة والسادسة عشرة هي مرحلة انتقالية حساسة، لا هو طفلٌ يعتمد كليًا على غيره، ولا هو ناضج كامل العقل والخبرة. ولذلك فهي مرحلة التذبذب:
* تذبذب المشاعر بين الهدوء والتمرد.
* تأرجح الشخصية بين حب الاستقلالية والبحث عن الحماية.
* تنوع الميول بين اللعب والجد.
وقد نُسِب إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في منهجية التربية: لاعب ابنك سبعًا، وأدّبه سبعًا، وصاحبه سبعًا؛ أي من سن 14 حتى 21 يُصاحب كالصديق.
هذا الفهم وحده يجعل المربي أكثر رحابة صدر، وأقدر على الصبر، لأنه يعلم أن السلوكيات التي يراها ليست عنادًا محضًا، وإنما هي طبيعة مرحلة انتقالية.
التوازن بين اللين والحزم
أشرتِ في استشارتك إلى الحيرة بين اللين والشدة، وهذا عين لبّ المسألة. والجواب أن المربي يحتاج إلى حزم بلا قسوة، ولين بلا ضعف.
* إن كان المراهق بحاجة إلى التقدير والاحترام، فلا يليق معاملته معاملة الأطفال.
* وإن كان بحاجة إلى الضبط والتوجيه، فلا يصح تركه يتصرف دون حدود.
* النبي ﷺ كان القدوة في هذا التوازن؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: خدمتُ النبي ﷺ عشر سنين، فما قال لي: أُفٍّ قط، وما قال لشيءٍ فعلتُه: لِمَ فعلتَ كذا؟ ولا لشيءٍ تركتُه: ألا فعلتَ كذا؟ هذا اللطف لم يمنع النبي ﷺ من أن يكون مربيًا صارمًا حين تدعو الحاجة، فقد قال لابن عباس وهو غلام: (يا غلام، إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك) إذن: الحزم يكون في رسم الحدود، واللين يكون في الأسلوب.
إشراك المراهق في المسؤولية
المراهق ينفر حين يُعامل كطفل صغير، ولكنه يزدهر حين يُكلّف بمهام تناسب قدراته. من الحكم التربوية التاريخية أن الرسول ﷺ أجاز لعبد الله بن عمر أن يخرج للجهاد وهو في الخامسة عشرة، وفي ذلك إشارة إلى أن هذه السن هي سنّ تحمل المسؤولية. حين يشعر المراهق أن المربي يثق به، ويمنحه أدوارًا حقيقية، فإنه ينسجم ويقترب، بدلًا من أن يتفلت أو ينفر.
الحوار والإقناع بدلًا من الأوامر المباشرة
المراهق بعقله النامي لا يقبل الأوامر الصارمة دون فهم، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]. وإذا كان هذا خطابًا للمشركين، فكيف بأبنائنا وبناتنا؟ إن أسلوب الجدل الحسن والإقناع بالحجة والقدوة، هو ما يجعل المراهق يستجيب دون عناد.
القدوة العملية
المراهق شديد الحساسية للتناقض بين القول والفعل. فإذا رأى المربي يأمره بترك الكذب ثم يراه يكذب، أو يطلب منه الصلاة وهو يتهاون فيها، تضعضعت مكانة المربي في عينه. ومن هنا جاء قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 2-3].
منح مساحة من الحرية المنضبطة
المراهق بطبيعته يبحث عن ذاته، ويريد أن يشعر أنه يختار. والمربي الذكي هو من يمنحه مساحة حرية مراقَبة غير مباشرة:
* حرية في اختيار ملابسه ضمن حدود الشرع.
* حرية في ممارسة هوايات نافعة.
* حرية في إبداء الرأي في شؤون أسرية أو تربوية.
التاريخ يذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يستشير صغار الصحابة في المسائل الكبرى، ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما، حتى قال بعض الصحابة الكبار: "إن لنا أبناء كأمثاله!" فكان عمر يجيب: "إنه فتى له لسان سؤول وقلب عقول".
إشباع الجانب الروحي والعاطفي
لا يكفي أن نقدّم للمراهق توجيهات سلوكية، بل ينبغي إشباع قلبه بالذكر والإيمان، وربطه بالقرآن، وغرس محبة النبي ﷺ وصحابته. فالمراهق إذا امتلأ قلبه بالحب الإيماني، كان أقدر على مواجهة تيارات الشهوة والشبهة.
وفي الوقت نفسه يحتاج المراهق إلى جرعات من العاطفة الصادقة: كلمة ثناء، لمسة حنان، ابتسامة رضا. قال صلى الله عليه وسلم: (من لا يَرحم لا يُرحم)
الاستفادة من أساليب التربية الحديثة
المعاصرة علمتنا أن المراهق يتأثر بالبيئة الرقمية والإعلامية أكثر من أي جيل سابق، ولهذا يجب أن يواكب المربي أدوات العصر:
* الحوار عبر التطبيقات والمنصات، بدلًا من الاقتصار على النصائح الوجاهية.
* استخدام القصص الواقعية المؤثرة بدلًا من التوجيه المباشر.
* إشراك المراهق في أنشطة جماعية هادفة (رحلات، أندية، مسابقات).
أختي الكريمة، إن التربية في هذه المرحلة تحتاج إلى:
1. صبر طويل، وصدر واسع.
2. حزم بلا عنف، ولين بلا ضعف.
3. منح المراهق الثقة والاحترام.
4. إشراكه في المسؤولية وتقدير رأيه.
5. القدوة العملية في السلوك قبل القول.
وتذكري أن هذه المرحلة عابرة، فإذا أحسنّا إدارة هذه السنوات القليلة، نكسب إنسانًا صالحًا باقي عمره.
وأسأل الله أن يفتح عليكِ أبواب الحكمة، وأن يجعلكِ مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وأن يبارك فيكِ وفي ذريتكِ، ويجعل لكِ في كل خطوة بركة، وفي كل كلمة أثرًا، وأن يجزيكِ عن سؤالك وحرصك على التربية خير الجزاء.
روابط ذات صلة:
خطوات عملية للتعامل الحكيم مع المراهقين!!
8 نصائح لإجراء محادثة ناجحة مع ابنك المراهق