كيف أرد الجميل لمن أحسن إليَّ دون تكلف أو إحراج؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الأخلاق والمعاملات
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 68
  • رقم الاستشارة : 2736
22/09/2025

مررت منذ فترة بمحنة قاسية كادت أن تطيح بي، كانت أزمة نفسية ومالية شديدة، وكدت أنهار تمامًا. في تلك الأثناء، وقف بجانبي شخص لم أكن أعرفه معرفة وثيقة من قبل، مد لي يد العون، وقدم لي الدعم المادي والنفسي، وكان سببًا في أن أتجاوز تلك الأزمة وأعود إلى حياتي الطبيعية.

ولكن بعدما زالت الغمة، وانشغلت بحياتي الجديدة وبناء مستقبلي، لم أُبادله الإحسان بمثله. تباعدت بيننا المسافات، وأنا لم أسعَ لتقوية علاقتي به، بل ربما قصرت في السؤال عنه أو حتى الاطمئنان على أحواله. أشعر الآن أنني جاحد لهذا الفضل، وأنني لم أكن وفيًا لهذا الجميل العظيم، رغم أن قلبي ممتلئ بالامتنان والدعاء له.

فهل أنا مقصر في حق هذا الشخص؟

وهل رد الجميل واجب شرعًا؟ وما حكم إهمال هذا الواجب؟

وما الطرق العملية التي يمكنني من خلالها أن أوفي بهذا الدين وأرد هذا الجميل دون تكلف أو إحراج؟

وكيف يمكنني أن أجدد علاقتي به وأُظهر له تقديري دون أن أبدو متأخرًا في ذلك؟

الإجابة 22/09/2025

مرحبًا بك أخي الكريم، وتحية طيبة لك، وشكرًا جزيلًا على ثقتك بنا، وأسأل الله أن يبارك فيك وفي مسعاك، وبعد...

 

فما أروع أن يدرك الإنسان فضل غيره عليه، وما أجمل أن يظل القلب نابضًا بالامتنان، ذاكرًا الإحسان، وساعيًا لشكره بإحسان مقابل وزيادة.

 

هل أنت مُقصِّر في حق هذا الشخص؟

 

أخي الكريم، لأكون صريحًا معك: نعم، أنت مُقصر في التواصل معه؛ فمع أنك تدعو له -وهذا في حد ذاته من أسمى مراتب الوفاء- فإن هذا الشخص كان سببًا من أسباب الله -عز وجل- التي سخّرها لك، وهذا يستحق منك أن تظل على ذكرٍ لفضله، وأن تسعى لرد ولو جزءًا بسيطًا من جميله.

 

هل رد الجميل واجب شرعًا؟

 

يا أخي، إن رد الجميل ليس مجرد واجب أخلاقي؛ بل هو واجب شرعي أصيل، ومن أعظم مكارم الأخلاق التي يدعو إليها ديننا الحنيف. فالله -سبحانه وتعالى- الذي أمرنا بعبادته، أمرنا أيضًا أن نرد إحسان الناس إلينا بالإحسان، فقال في محكم التنزيل: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60].

 

وهذه الآية الكريمة ليست مجرد دعوة أو حث؛ بل هي مبدأ عظيم يقوم عليه الكون كله.

 

ولقد أكد النبي ﷺ هذا المعنى، فقال: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» [رواه أبو داود].

 

إن إهمال هذا الواجب يُعد من خصال الجحود وكفران النعمة، وهو أمر يمقته الله. وقد قصّ علينا النبي ﷺ قصة الثلاثة من بني إسرائيل (الأبرص والأقرع والأعمى)، الذين ابتلاهم الله ثم أنعم عليهم بفضله. فلما عاد إليهم الملك في صورة مسكين يختبرهم، كان من الأبرص والأقرع جحود ونكران لفضل الله، أما الأعمى فقد كان وفيًّا معترفًا بالنعمة. فكان جزاء الأبرص والأقرع أن زالت نعمتهما، وظل الأعمى بصيرًا محتفظًا بالنعمة. فإهمال الشكر قد يؤدي إلى زوال النعمة.

 

طرق عملية لرد الجميل:

 

إليك بعض الطرق العملية البسيطة التي يمكن أن تفي بهذا الدين، وتعبِّر عن تقديرك دون حرج:

 

1. المبادرة بالاتصال الهاتفي أو المراسلة: لا تفكر كثيرًا في كيف سيبدأ الحديث. فقط ارفع سماعة الهاتف واتصل به، أو أرسل له رسالة نصية بسيطة وصادقة. قل له: «إنك في ذهني دائمًا، وأود أن أطمئن عليك. لم أنسَ فضلك عليَّ يومًا، وأدعو لك في كل وقت». فهذه كلمات قليلة لكنها تحمل معاني طيبة، وتصل إلى القلب مباشرة.

 

2. إرسال هدية رمزية: الهدية ليست بقيمتها المادية؛ بل بقيمتها المعنوية. أرسل له هدية على قدر ما تستطيع، مع بطاقة فيها بعض كلمات الشكر والامتنان.

 

3. تقديم مساعدة عملية: ربما يحتاج هذا الشخص إلى مساعدة الآن في شيء ما. قد تكون مساعدة في مهمة عمل، أو إصلاح شيء في منزله، أو حتى مجرد الاستماع إليه في محنة يمر بها. فتفقَّد أخباره، ولا تتردد في عرض المساعدة، فالعطاء هو جوهر الوفاء.

 

4. الاستمرار في الدعاء له: فالدعاء له في ظهر الغيب من أعظم أشكال الوفاء.

 

كيف تعالج التأخر في التواصل؟

 

إن شعور التأخر في التواصل والحرج من ذلك هو ما يمنع كثيرًا من الناس من رد الجميل. ولكن تذكَّر أن الصدق يمحو كل حرج. ابدأ حديثك بالاعتراف الصريح واللطيف بأنك تعلم أنك تأخرت، ولكنك لم تنسَ الفضل أبدًا. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول له: «أعلم أني قد تأخرت كثيرًا في التواصل معك، ولكن صدقًا، ما مر يوم إلا ودعوت لك في صلاتي. لقد كنتَ نعم السند لي، وأنا الآن أعتبرك أخًا عزيزًا لا أستطيع أن أستغني عنه».

 

إن هذا الكلام الصادق سيذيب أي حرج، وسيكون سببًا في فرحة ذلك الشخص الذي من المؤكد أنه لم يكن يتوقع منك شيئًا، فما فعله معك كان خالصًا لوجه الله، أو نابعًا من طيبة نفسه.

 

وختامًا يا أخي، إن شعورك بالتقصير هو بداية الطريق الصحيح، فخذ بزمام المبادرة الآن ولا تتردد، فإن الذين يمدون يد العون بلا مقابل هم أناس لا يستحقون منا إلا الحب والتقدير. وفقك الله ورعاك.

الرابط المختصر :