كظم الغيظ والصبر.. عندما تصارع الفضيلة الاستغلال!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الأخلاق والمعاملات
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 164
  • رقم الاستشارة : 2479
25/08/2025

عندي مشكلة شايل همها لي فترة طويلة، وجيتكم عشان ألقى عندكم النصح والإرشاد.

أنا زول متزوج وعندي عيال، طول عمري ماشي بمبدأ الصبر والتسامح، وبحاول أطنش الأخطاء، بالذات مع أهلي وأصحابي. كم مرة اتعرضت لمواقف صعبة ومؤذية، سواء من ناس في الشغل ولا من قرايب، وبحاول قدر الإمكان أطبق الكلام اللي بنسمعه عن فضل كتم الغيظ والتسامح مع الناس.

بصبر على الأذى، وبسامح الزول اللي ظلمني، وبكتم غيظي عشان أخد الأجر من الله، وعشان يمكن الصبر ده يغير الواقع للأحسن. لكن للأسف، بديت أحس إنو الصبر ده ما بجيب نتيجة، بالعكس، الظلم بيزيد علي، والناس بيفتكروني زول ضعيف وما بقدر أدافع عن نفسي، فبيستغلوني زيادة.

أنا محبط شديد، وبديت أشك في قيمة الصبر والتسامح ده. هل الإحساس ده يعتبر سوء ظن بالله؟ وإذا كان ربنا مع الصابرين، طيب وين نتيجة الصبر دي؟ ما شايف ليها أي أثر في حياتي. ما عايز الواقع يتغير بسرعة، لكن أنا محتار، ومحتاج أحس بالطمأنينة.

الإجابة 25/08/2025

مرحبًا بك أيها السائل الكريم، وشكرًا جزيلًا على ثقتك فينا، ومراسلتك لنا، وأسأل الله أن يبارك فيك، وفي أسرتك، وأن يشرح صدرك، وأن يرزقك اليقين والسكينة، وبعد...

 

فإنها -يا أخي- لحظات اختبار، يواجه فيها المؤمن حقيقة أن الصبر ليس مجرد كلمة؛ بل هو عمل شاق، وجهد جهيد، وصراع داخلي بين ما تؤمن به وبين ما تراه في واقعك وواقع من حولك، وهذا الشعور الذي قد يؤدي للإحباط ليس في حد ذاته سوء ظن بالله، أبدًا، بل هو جزء من رحلة الصبر والتصبر وكظم الغيظ نفسها، وما يقاسيه فيها صاحبها ابتغاء مرضاة الله عز وجل، الذي يقدر صبره ويجزيه عليه الجزاء الأوفى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].

 

الصبر سمة الأقوياء

 

أنت تقول إن الناس يستغلونك ويزداد ظلمهم لك؛ لأنهم يظنون أن صبرك ضعف. هذا الظن هو ظنهم هم، وليس الحقيقة، فالصبر ليس ضعفًا؛ بل هو قوة عظيمة، يمنحها الله لمن اختار أن يجعله من أوليائه.

 

تذكر قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- الذي صبر على ظلم إخوته، وصبر على إغواء امرأة العزيزة، وصبر على السجن، وصبر على الأذى، وفي كل مرة كان من حوله يظنون أن هذا ضعف منه؛ ولكن الله كان يعده لمكانة عظيمة، حتى صار عزيز مصر. وفي النهاية، واجه إخوته، وقال لهم: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92]، فعفا ولم ينتقم ولم يعاقب، وكان هذا دليلًا على أنه كان قويًّا في صبره، لا ضعيفًا، ولم يكن منتظرًا للقوة المادية كي يُنفذ غيظه وغضبه.

 

الصبر الحقيقي - يا أخي- هو أن تتحمل الأذى وأنت قادر على ردِّه؛ لكنك تختار العفو والصفح ابتغاء وجه الله. وقد قال رسول الله ﷺ في فضله: «مَا مِنْ جَرْعَةٍ أَعْظَمُ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ» [رواه ابن ماجة].

 

هل تعلم -يا أخي- ما الفرق بين الصبر والضعف؟

 

الضعف هو أن تسكت عن الحق لأنك لا تستطيع التعبير عنه، أو لأنك تخاف من المواجهة. أما الصبر، فهو أن تكظم غيظك، وتسامح، ولكن في الوقت نفسه، تسعى لتغيير الواقع بما يرضي الله.

 

نتائج الصبر التي لا نراها

 

أخي الفاضل، تقول إنك لا ترى أثرًا لصبرك. لعلك تنظر إلى الأثر في الحياة الدنيا فقط. ولكن الله وعد الصابرين بأشياء أعظم من مجرد تغيير واقع الدنيا: قال تعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 96]. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].

 

النتائج الحقيقية للصبر قد لا تراها في الدنيا، بل يخبئها الله لك في الآخرة. إنها جنات النعيم، حيث لا حقد ولا حسد ولا أذى.

 

كيف نغير الواقع؟

 

الصبر لا يعني أن تستسلم للظلم. إن الله أمرنا أن نغير المنكر بالتي هي أحسن. قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]. هنا، الدفع هو فعل إيجابي، وليس مجرد سلبية.

 

كيف تطبق هذا في حياتك؟

 

1- ضع حدودك: الصبر لا يعني أن تسمح للناس بانتهاك حقوقك. إذا كان الظلم في العمل، فعليك أن تتخذ الإجراءات القانونية أو الإدارية اللازمة. وإذا كان من الأقارب، فلك أن تحدد مسافة آمنة، وأن تتجنب الاحتكاك الذي يجلب الأذى.

 

2- تكلم عن حقك: بإمكانك أن تدافع عن نفسك دون أن تخرج عن مبادئك؛ قلها بهدوء: «أنا أحترمك، ولكن هذا الأمر يؤذيني». ووضح وجهة نظرك: «أنا متسامح، ولكن هذا التسامح لا يعني أن أقبل الظلم».

 

3- الدعاء: لا تنسَ أن الدعاء يغير الأقدار، فكن واثقًا بأن الله لن يتركك، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: 62].

 

إن الله يراك وأنت تصارع لأجل الحق، يرى دموعك ويسمع شكواك. وإحساسك بالظلم هو حافز لكي تدعو الله بأن يغيِّر واقعك للأحسن، وأن يرزقك القوة لمواجهة ذلك، وينصرك.

 

4- تذكّر حكمة الصبر: قد يختبر الله صبرك ليرفع درجتك، أو ليُطهِّرك من ذنوبك، أو ليُظهر لك حقيقة الناس من حولك.

 

وختامًا -أخي الحبيب- إن الطمأنينة لا تأتي من تغير الواقع بالضرورة؛ بل تأتي من الرضا بقضاء الله، ومن اليقين بأن الله معك، وأنه لن يضيع أجر المحسنين.

 

اجعل صبرك حافزًا للعمل؛ لا مظهرًا للسلبية. دافع عن نفسك، ولكن بالتي هي أحسن. حدِّد حدودك، واستمر في الدعاء، وكن واثقًا بأن الله سيجبر خاطرك، ويعوضك خيرًا، في الدنيا والآخرة، ما دمت صابرًا محتسبًا. وتابعنا بأخبارك.

الرابط المختصر :