في زمن الكرب.. هل أستغفر لذنوبي أم أدعو طلبًا للفرج؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الابتلاءات والمصائب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 28
  • رقم الاستشارة : 3003
20/10/2025

أعيش فترة كرب وضيق، وأريد أن أدعو الله لتفريج همي وتيسير أمري. في المقابل، يلحُّ عليَّ هاجسُ كثرة ذنوبي وتقصيري، فأرغب في المداومة على الاستغفار خوفًا من سوء الخاتمة.

كيف أوازن بين الإكثار من الاستغفار للتوبة، والإكثار من الدعاء لطلب الحاجة؟

وهل يُقدَّم أحدهما على الآخر في مثل هذه الظروف؟

الإجابة 20/10/2025

مرحبًا بك أخي الفاضل، وشكرًا جزيلاً لك على ثقتك بنا، وعلى مراسلتنا، وأسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يفرِّج كربك، وييسر أمرك، وأن يزيل عن قلبك كل هم وضيق، وأن يرزقك وإيانا السكينة والطمأنينة وحسن الخاتمة، وبعد...

 

فإني أعلم جيدًا مدى الضيق الذي يمكن أن يشعر به الإنسان عندما يجتمع عليه همُّ الدنيا وكروبها، مع خوفه من ذنوبه وتقصيره ورغبته في التوبة، وهذا الشعور -رغم آلامه- هو علامة إيمان صادق وخيرٌ عظيم، فإنه يجمع بين الرجاء في فضل الله والخوف من عدله. ولكن تيقَّن يا أخي بأن رحمة الله واسعة، وباب التوبة مفتوح أبدًا، وباب الدعاء لا يُغلق.

 

الاستغفار مفتاح كل خير

 

إن التردد الذي تشعر به بين الاستغفار والدعاء ليس صراعًا أو تضادًّا؛ بل هو تكامل وتناغم، هما جناحا طائرٍ يحلِّق بك إلى رضا الله وفضله.

 

فالاستغفار هو المفتاح الأكبر للقبول وتفريج الكرب، وهو بمثابة تطهير وتهيئة للقلب ليستقبل نور الدعاء وإجابة الحاجة.

 

إنه -أيضًا- سبب لتفريج الهموم وجلب الأرزاق، فالله -تعالى- يقول على لسان نوح عليه السلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10- 12]. وهذا وعد إلهي صريح بأن الاستغفار ليس فقط للتكفير عن الذنوب؛ بل هو مفتاح لحياة طيبة ورزق مبارك.

 

وهو أيضًا سبب للنجاة من العذاب والضيق، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33].

 

والاستغفار -أيضًا- باب للرحمة والمتاع الحسن، قال الله تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود: 3]. و﴿يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا﴾، أي يسعدكم في هذه الحياة سعادة حقيقية، ويزيل عنكم الكرب والضيق.

 

الدعاء هو العبادة والصلة

 

أما الدعاء، فهو العبادة ذاتها، كما أخبر ﷺ، وهو التعبير الأصدق عن افتقار العبد لربه وحاجته إليه.

 

والله يحب من عباده أن يسألوه، فقد ورد في الحديث القدسي: «يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ» [رواه مسلم].

 

إن شعورك بالحاجة إلى الدعاء هو توفيق من الله لكي تتقرب إليه، وتطلب منه بقلب منكسر.

 

وكذلك الدعاء يرفع البلاء، ويرد القضاء، فقد قال النبي ﷺ: «لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ» [رواه الترمذي]. إن الدعاء نفسه هو من قدر الله، وهو سبب قوي جدًّا في دفع البلاء وتغيير الحال إلى الأفضل.

 

أيهما يُقدَّم في هذه الظروف؟

 

في مثل ظروفك، حيث يلحُّ عليك الخوف من الذنوب وحاجتك لتفريج الكروب، فالأفضل هو الجمع بينهما، مع تقديم الاستغفار كبداية وتمهيد وتطهير؛ لأن الذنوب قد تكون حاجزًا بين دعائك واستجابته، فإذا أزلت هذا الحاجز بالاستغفار، أصبح الدعاء أرجى للقبول.

 

فابدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله ﷺ ثم استغفر بـ«سيد الاستغفار» الذي يجمع التوبة والاعتراف بالتقصير والتوكل على الله: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» [رواه البخاري].

 

وبعد أن تكون قد طهَّرت قلبك وروحك بالاستغفار، اشرع في الدعاء بما أهمَّك، واطلب من ريك -جل وعلا- تفريج الكرب وتيسير الأمر.

 

حافظ على الدعاء بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى المناسبة لحالك: «يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا رحمن، يا رحيم».

 

ثم اختم بالاستغفار والصلاة على النبي ﷺ وحمد الله تعالى.

 

وختامًا أخي العزيز، لا تدع وسوسة الشيطان تجعلك تظن أن ذنوبك أكبر من رحمة الله. فكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.

 

استغفر بلسانك وقلبك، وادعُ بحاجتك بصدق ويقين، وثق أن الله -تعالى- لن يخيِّب عبدًا أتاه منكسرًا خائفًا راجيًا.

 

وتمثَّل قول الشاعر:

 

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ** فلقد علمت بأن عفوك أعظم

 

أسأل الله أن يجعل كربك هذا بداية لفرج عظيم، وأن يلبسك لباس العافية والسكينة في الدنيا والآخرة.

 

روابط ذات صلة:

الاستغفار والتسبيح.. وأيهما أفضل؟

ما الذي يساعدني على حضور قلبي والخشوع في الدعاء؟

كيف أستشعر معاني الدعاء وأتذوق أثره؟

هل الدعاء يغير القدر؟

8 ثمرات للدعاء بظهر الغيب

 

الرابط المختصر :