الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الابتلاءات والمصائب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
25 - رقم الاستشارة : 2953
15/10/2025
أنا متزوجة منذ سنتين تقريبًا، جامعية، وعمري 27 سنة، والحياة بيني وبين زوجي (الذي يتمتع بخلق طيب لكنه تقليدي جدًا في طباعه وتفكيره) مستقرة ولله الحمد، إلا أننا لم نُرزق بأطفال بعد.
المشكلة هي أن حياتنا أصبحت روتينية ومُملة جدًا، وأشعر في كثير من الأوقات بفقدان تام للشغف تجاه كل شيء، وبأن الحياة فارغة ولا تحمل أي معنى أو بهجة.
هذا الشعور انعكس على عباداتي؛ فأنا أؤدي الصلاة بشكل آلي وروتيني وبلا خشوع أو روح، وأجد تقصيرًا واضحًا في قراءة القرآن والمحافظة على النوافل والأذكار. كما أهملت تمامًا هواياتي التي كنت أستمتع بها قبل الزواج، وأصبحت أميل إلى الانعزال، حيث أنني لا أرغب في الخروج من المنزل، ولا في تبادل الزيارات الاجتماعية.
كيف أتعافى من هذا الشعور المزمن بالفتور وفقدان الشغف والملل؟
وكيف أُعيد الروح والحيوية إلى حياتي الزوجية والإيمانية؟
مرحبًا بك أختي الفاضلة، وسَرَّنا تواصلك معنا وثقتك بنا، وأدعو الله أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويرزقك من واسع فضله سكينةً في قلبك وحياةً هانئةً ملؤها السعادة، وأن يرزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك، وبعد...
طبيعة النفس البشرية والفتور
إن رسالتك هذه، بكل ما فيها من صدق ومكاشفة، هي أول خطوة على طريق التعافي، فوعي الإنسان بمشكلته هو مفتاح الحل.
وأطمئنك بأن الشعور بالفتور، وفقدان الشغف، والملل، وخصوصًا بعد الاستقرار النسبي في الحياة الزوجية، هو سُنَّة من سنن الحياة وطبيعة في النفس البشرية التي تملُّ الرتابة، وتتوق إلى التجديد.
لقد وصف النبي ﷺ الإيمان بأنه يبلى كالثوب، فقال: «إنَّ الإيمانَ ليَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكم كما يَخْلَقُ الثَّوبُ، فاسألوا اللهَ أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم» [رواه الطبراني والحاكم]. وهذا الحديث الشريف يشرح حالة قلبك الآن؛ فكما يبلى الثوب يحتاج الإيمان إلى تجديد، والروح تحتاج إلى شحن، والحياة تحتاج إلى بثِّ روح جديدة فيها.
أيتها الأخت الفاضلة، أنتِ الآن أمام فرصة عظيمة لتعيدي اكتشاف نفسك وزوجك ودينك، فلا تنظري إلى هذا الملل كعدو، بل كجرس إنذار يدعوك إلى التغيير الإيجابي.
وقد ورد عن بعض السلف قولهم: «إنَّ مِنْ فِقْهِ الْعَبْدِ: أَنْ يَتَعَاهَدَ إِيمَانَهُ، وَمَا نَقَصَ مِنْهُ».
التعافي من الفتور وفقدان الشغف
التعافي من هذا الشعور يبدأ من نقطتين: تصحيح النظرة الإيمانية للدنيا، وكسر الروتين اجتماعيًّا ونفسيًّا.
أولًا- على الصعيد الإيماني (إحياء القلب):
* استحضار وتجديد النيات: الفتور في العبادة هو العارض الأبرز لفقدان الشغف العام، والحل يكمن في إحياء الروح بتجديد النيات وتصحيحها. فإن الحياة الزوجية بكل تفاصيلها، من طهي، وتنظيف، وخدمة الزوج، ورعاية البيت، يمكن أن تتحول إلى عبادة عظيمة بأن تجعلي نيتك في كل عمل تقومين به أنه طاعة لله، وسعي لحفظ النعمة، وتحقيق لقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكم مِّنْ أَنفُسِكمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
* الراحة بالقرآن والصلاة: اجعلي عبادتك ملاذًا، لا عبئًا روتينيًّا. تفكري فيما تقرئين، سواء في صلاتك أو خارجها. قد تحتاجين إلى تغيير مكان الصلاة أحيانًا، أو قراءة تفسير مبسط لقدر يسير من القرآن الكريم كل يوم.
* مجاهدة النفس في الأذكار: لا تتركي الأذكار، فهي كالدرع الواقي للقلب. ابدئي بأقل القليل ثم زيدي. استشعري أنك تستمدين قوتك واطمئنان قلبك منها.
ثانيًا- على الصعيد الاجتماعي والواقعي (كسر قيود الملل):
إن الانعزال وإهمال الهوايات دليل على أن شعلة الحياة قد خفتت، والعلاج في بث الحركة والتواصل فيها من جديد، وذلك عن طريق:
* الخروج من العزلة: إن الميل إلى العزلة يفاقم الفتور، فأَخرِجي نفسك من قيودها. اخرجي للمشي في الطبيعة، أو لزيارة قريبة أو صديقة، أو حتى الذهاب إلى مكتبة.
* إحياء الهوايات والشغف الشخصي: ارجعي إلى هواياتك القديمة، أو ابحثي عن هوايات جديدة، أو تعلِّمي مهارة جديدة، أو تطوعي في عمل خيري. هذا يعيد لك إحساسك بقيمة ذاتك، ويشعل فتيل الشغف المفقود.
إعادة الروح لمجالات حياتك
ولنفعل ذلك، سنتبع خطة عمل بثلاثة محاور متكاملة فيما بينها:
1. المحور الشخصي والروحي (تجديد الذات):
- وقت خلوة مع النفس: خصصي وقتًا يوميًّا لك فقط، سواء للتأمل، أو القراءة، أو ممارسة هواية. هذا الوقت يشحن طاقتك ويمنع الاستنزاف.
- صحبة الخير: ابحثي عن صديقة صالحة أو مجموعة نسائية للدراسة أو التعلُّم. الصحبة الصالحة تشدُّ العزيمة، وتذكر بالآخرة. يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].
- السعي الدائم والهمة العالية: لا تجعلي الهدف هو الراحة والسكون التام، بل اجعليها راحة المحارب بعد جهاد. تذكري قوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّك فَارْغَب﴾ [الشرح: 7 و8]. فهاتان الآيتان تُرشدان إلى صرف الهمة من عمل إلى آخر، فإذا انتهت مهمة، بدأت أخرى.
2. المحور الزوجي (كسر الجمود):
قلتِ إن زوجك خُلقه طيب ولكنه تقليدي. وهذا يعني أنه يحتاج إلى من يأخذ بيده نحو التجديد، ولا أحد غيرك يفعل ذلك.
* التواصل الفعَّال: بدلًا من الشكوى من الملل، ناقشي معه الأمر بهدوء وحب. لا تلوميه على تقليديته، بل ادعيه لـ«مغامرات صغيرة»، قولي له مثلًا: «ما رأيك لو جربنا هذا الأمر معًا؟»، «ما رأيك لو قمنا بـ...؟».
* التجديد المشترك للروتين: برحلة قصيرة ومفاجئة، ولا تنتظري إجازة طويلة، فيوم واحد كافٍ للتغيير.
* تجديد البيت: ولو بمفروشات جديدة، أو بتغيير أماكن قطع الأثاث.
* اللقاءات الرومانسية: حددي ليلة أسبوعية «مختلفة» لتناول طعام العشاء معًا، ارتدي فيها أجمل ما لديك، وتحدثي عن أحلامكما؛ لا عن واجباتكما.
* فاجئيه بلطف: بما أنه تقليدي، فاجئيه بأشياء يحبها؛ ولكن بطريقة غير تقليدية. كتغيير في شكل ملابسك داخل البيت، أو مبادرتك إلى فتح حوارات جديدة في مواضيع ثقافية أو اجتماعية تثير شغفه.
3. التطلع إلى الذرية (بأمل):
تأخر الإنجاب قد يكون سببًا نفسيًّا للشعور ببعض الفراغ، ولكن يجب ألا يتحول إلى بؤرة للحزن أو الإحباط.
* الثقة المطلقة في توقيت الله: تذكري أن الله هو الرزاق، وأنه -سبحانه- يؤخر الشيء لحكمة ويقدمه لرحمة. لا تتركي الدعاء: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ [الأنبياء: 89]، مع الأخذ بالأسباب الطبية طبعًا.
* ملء الفراغ بالأمل والعمل: استثمري هذا الوقت في تطوير نفسك وتعزيز علاقتك بزوجك، فإذا جاء الأطفال، كان البيت جاهزًا لتربية صالحة.
وختامًا أختي الفاضلة، اعلمي أن الحياة مزيج من صعود وهبوط، وأن مشاعر الفتور هي عارضة. وما دمتِ تمتلكين رغبة في التغيير وميزان الإيمان في قلبك لا زال يناديك، فأنت بخير. ابدئي بخطوات صغيرة وبسيطة، وحافظي على الدعاء بالثبات والعزيمة. وتذكَّري أن الله يراقب سعيك ويجبر تقصيرك.
وفقك الله، ويسَّر أمرك، وجعل حياتك روضةً من رياض السعادة والسكينة. دمتِ في حفظ الله ورعايته.
روابط ذات صلة:
وردة الزواج الذابلة.. كيف تحييها الزوجة؟
فقدت لذة العبادة وأشعر بالفتور.. كيف أعود؟
زوجي قليل الحيلة.. خطوات لاستعادة الوهج