الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الابتلاءات والمصائب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
212 - رقم الاستشارة : 2388
18/08/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا بنت في ثالثة جامعة، وتربيت في بيت متدين والحمد لله. أحاول قد ما أقدر أكون قريبة من ربي وأسوي اللي يرضيه، بس مررة محبطة بسبب شكلي. ملامحي ما هي جذابة، يعني مو جميلة، ولا أنا من البنات اللي الناس تلتفت لهم. هذا الإحساس مو مجرد وهم، هذي حقيقة أنا عايشتها كل يوم. صرت أتجنب المناسبات العائلية وحتى جمعات صديقاتي، لأني أشوف البنات الناس تعجب فيهم، والكلام الحلو ينزل عليهم زي المطر، وأنا كأني مو موجودة.
هذا الموضوع مأثر على كل شيء في حياتي. أخاف وأتحرج مررة لو أحد فتح موضوع الزواج قدامي، لأني عايشة في رعب إنه ما فيه أحد بيتقدملي. بيني وبين نفسي أقول: "معقولة يجي يوم أحد يحبني؟" هل فيه شاب بيوافق يرتبط فيني، ولا بكون آخر خيار، للي ما لقى قدامه أي خيار ثاني؟ أو ظروفه ما تسمح له يرتبط إلا بوحدة مثلي.
أبكي كثير في السر، وأدعي ربي وأنا ساجدة: "يا رب، ليش ما خلقتني جميلة زي باقي البنات؟ ليش حرمتني من هالنعمة؟" وبعدها أستغفر وألوم نفسي على هذا الاعتراض، وأذكر نفسي إن ربي عادل وما يظلم أحد. بس أرجع لنفس الدوامة، وأحس إن هالنقص قاعد ياكل من إيماني.
ما أقدر أتحمل نظرات الشفقة من بعض الناس، ونظرات السخرية اللي أشوفها في عيون ناس ثانية، وكأنهم يقولون: "يا حرام، حظها قليل". النظرات هذي توجعني أكثر من الكلام.
تكفون، دلوني. كيف أتعامل مع إحساس النقص هذا اللي مدمرني؟ وكيف أتغلب على الحرج اللي لازق فيني في كل مكان؟ وإيش أسوي لو ما أحد تقدملي للزواج؟ أنا محتاجة مساعدتكم مرررة.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك ابنتي الفاضلة، وشكرًا جزيلًا لك على ثقتك الكبيرة بنا، وأحمد الله الذي وفقك لهذا التوجه الصالح، وأسأله -سبحانه- أن يزيدك هدىً وصلاحًا ويقينًا، وأن يُذهب عن قلبك كل ما يؤلمه ويحزنه، وأن يملأه نورًا ورضًا وسكينة، وبعد...
ابتلاء يستوجب الصبر والرضا
إن هذا الألم الذي تشعرين به يا ابنتي ليس أبدًا ضعفًا في إيمانك؛ بل هو جزء من طبيعة الإنسان، فطرة الله التي فطر الناس عليها؛ أن تشعري بالحزن، وأن تتأثري بنظرات الناس، وأن تتساءلي عن حكمة الله في خلقه، كل هذا شعور طبيعي يمر به كثيرون، لكن الفارق يكمن في كيفية التعامل مع هذه المشاعر، وكيف نروضها لترتقي بنا نحو الله، لا أن تهوي بنا.
اعلمي يا ابنتي أن الله -عز وجل- يبتلي العبد بما يحب وبما يكره، ليمتحن صبره ويقينه. وهذا الابتلاء قد يكون نقصًا في المال، أو الصحة، أو الجمال، أو غيرها، يقول جل شأنه: ﴿ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَات وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]. ولكن المؤمن الحق هو الذي يستقبل قضاء الله بالصبر والرضا، ويعلم أن وراء كل ابتلاء حكمة ورحمة لا يدركها العقل البشري القاصر: ﴿الَّذِينَ إذَا أَصَابَتهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِّن رَّبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتدُونَ﴾ [البقرة: 156 و157].
الجمال الحقيقي ونسبية المظهر
ثم إن الجمال الذي تصفينه يا ابنتي، والذي يبهر الناس ويخطف عيونهم، هو جمال مؤقت زائل، لا يبقى له أثر مع مرور الأيام. والله -عز وجل- يقول في محكم كتابه: ﴿وَمَا أُوتيتمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [سورة القصص: 60]. إن الجمال الحقيقي هو جمال الروح، وجمال الخلق، وجمال الإيمان، وهو الذي يبقى ويزداد بريقه مع الأيام.
تذكري قول النبي ﷺ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [رواه مسلم]. الناس ينظرون إلى الصور، والله ينظر إلى القلوب.
كذلك من المهم أن تتيقني من أن الله وحده هو الذي يعطي القبول للإنسان في الأرض. فكم من فتاة فائقة الجمال الشكلي الظاهري لم يبارك الله لها في حياتها الزوجية، وكم من أخرى ليست على قدر كبير من هذا النوع من الجمال، ولكنها محبوبة ومباركة وموفقة في زواجها وحياتها.
وقد يتزوج الرجل امرأة ذات خلق ودين، فيجد فيها ما لا يجده في أجمل النساء، فالزواج لا يقوم على جمال الشكل فقط؛ بل هو ميثاق غليظ يقوم على السكينة والمودة والرحمة.
الزواج رزق مقدَّر من الله
إن خوفك من ألا يتقدم لك أحد إنما هو من وسوسة الشيطان الذي يريد أن يزرع اليأس في قلبك ويضعف إيمانك بقضاء الله وقدره.
اعلمي –يا ابنتي- أن الزواج رزق، مثله مثل رزق المال والصحة والذرية، وهو مقدر ومكتوب قبل أن تخلقي. وليس هناك قوة في الأرض تستطيع أن تمنع عنك رزقًا كتبه الله لك.
ويقول الله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكمْ وَمَا توعَدُونَ﴾ [سورة الذاريات: 22]. ورزقك الذي وُعدت به –بإذن الله- هو زوج صالح يعينك على طاعة الله، ويحبك لشخصك ودينك لا لجمال ملامحك.
تأملي قصة الصحابي الجليل جليبيب -رضي الله عنه- فقد روي أنه كان دميمًا، لا يملك مالًا ولا حسبًا، وكان الناس يتجنبونه؛ لكن النبي ﷺ زوَّجه من أجمل فتيات الأنصار وأشرفهن نسبًا، فكانت قصة زواجهما آية في فضل الدين والأخلاق. فإذا كان الله قد رزق جليبيب بأجمل نساء الأنصار، فإنه سبحانه قادر على أن يرزقك بمن هو خير لك وأصلح لدينك ودنياك.
فليأت الزواج وقتما يأتي بمشيئة الله وبقدره، وإن تأخر -مهما تأخر- فلا تجعلي التفكير فيه يسيطر على حياتك، بل استثمري وقتك في التقرب إلى الله، وفي دراستك، وفي تطوير ذاتك، وكوني الشابة المسلمة القوية الواثقة من نفسها، التي تعرف قيمتها الحقيقية.
كيفية التعامل مع الإحساس بالنقص وتجاوزه
أنصحك بما يلي:
1- عززي ثقتك بنفسك:
اجعلي علاقتك مع الله مصدر قوتك وثقتك، فكلما زادت صلتك به، شعرت بالقرب منه، وبالرضا عن نفسك. أنت لست مجرد جسد، أنت روح، وعقل، وقلب. اهتمي بصلاتك، وقيام ليلك، ودعائك، ودراستك. ادعي الله أن يملأ قلبك بالرضا والقناعة. يقول الرسول ﷺ: «من أصبح آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» [سنن الترمذي]. فكم من نعم عظيمة أنعم بها الله عليك وأنت لا ترينها؟
2- تجاهلي نظرات الناس وأقوالهم:
لا تجعلي نظرات الناس هي مقياسك للحكم على نفسك، فالناس تتغير نظرتهم وتتنوع نياتهم فيها ودواخلهم، ولكن رضا الله باقٍ. تذكري أن هدف بعضهم هو إضعافك أو إيذاؤك، فلا تعطيهم هذه الفرصة. قولي في نفسك: «حسبي الله ونعم الوكيل»، ورددي: ﴿وَلَا يَحْزُنْك قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [سورة يونس: 65].
3- ركزي على مواطن قوتك:
تقولين إنك تحاولين أن تكوني قريبة من الله، وهذا أجمل ما فيك، هذا هو الجمال الذي لا يزول. فاهتمي بعقلك، بذكائك، بخلقك الحسن، بمساعدتك للآخرين، بتميزك في مجال دراستك. كل هذه الصفات هي التي تجعلك إنسانة فريدة ومميزة، فاجعليها مصدرًا لسعادتك وثقتك.
4- حافظي على إيمانك: إن شعورك بالنقص الذي يهدد إيمانك هو من كيد الشيطان. تذكري أن الله عادل لا يظلم أحدًا، وأنه سبحانه هو الحكيم الذي يضع كل شيء في مكانه الصحيح. عندما تشعرين باليأس، استغفري الله، وأكثري من الصلاة على النبي ﷺ، وقولي: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين».
وختامًا يا ابنتي، تيقني من أن الله لا يضيع أجر المحسنين، وإحسانك لنفسك في تقواك وحسن خلقك لن يذهب سدى. ثقي بأن الله سيدبر لك الأمر، وسيؤتيك من فضله ما لم يخطر لك على بال. فقط تفاءلي خيرًا، وظني بالله الظن الحسن، واستثمري في جوهرك لا في مظهرك، واعلمي أن الجمال الحقيقي هو جمال القلب الذي يرضى بقضاء الله، ويشكر على نعمه، ويصبر على بلائه.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يقر عينك بزوج صالح، وأن يملأ قلبك رضًا وقناعة، وأن يُذهب عنك كل هم وغم، وأن يجعلك من السعداء في الدنيا والآخرة، وتابعينا بأخبارك.