على حافة الاكتئاب.. ماذا أفعل؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
  • القسم : استشارات أخرى
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 187
  • رقم الاستشارة : 2364
19/08/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 🌷 أنا أعيش حالة من الضيق والتعب النفسي المستمر بسبب نمط حياتي اليومي، وأشعر أنني وصلت إلى عقدة لم أجد لها حلًا. كل صباح أضطر للقفز من فراشي بسرعة، ارتداء ملابسي، ومغادرة بيتي وأسرتي للعمل في الخارج حتى المساء، دون أن تتاح لي فسحة للراحة أو الاسترخاء.

أبحث عن مشورتك وهدايتك كإمرأة، زوجة، أم، وخبيرة في الحياة اليومية للمرأة، لأعرف كيف أستطيع التوفيق بين واجباتي العملية واحتياجاتي النفسية والجسدية. أشعر أن المجتمع لا يتفهم هذه الضغوط: ساعات طويلة من العمل، استنزاف للطاقة، وفي المقابل لوم أو انتقاد إذا حاولت الاهتمام بنفسي أو أخذ استراحة.

كل هذا يجعلني أشعر بالذنب والحرمان، وكأن طاقتي وراحتي الداخلية تضيع دون سبب. أرجو من حضرتك أن تقدمي لي نصائح عملية، أو استراتيجيات للتعامل مع هذا الضغط، للحفاظ على طاقتي وسكينتي النفسية، ولأتمكن من أداء واجباتي داخل المنزل وخارجه دون خسارة توازني أو صحتي النفسية والجسدية. جزاك الله خيرًا، وأقدر وقتك واهتمامك، وأتطلع إلى ردك الكريم 💌

الإجابة 19/08/2025

وعليكم السلام ورحمة الله أختي الكريمة، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات، وممتنة لكلماتك الرقيقة، والله سبحانه وتعالى أسأل أن يلهمنا الصواب، ويرزقك التوفيق في كل تفاصيل حياتك..

 

الحقيقة أنني استشعرت رسالتك وتذوقتها حرفًا حرفًا وأدرك أبعادها المرهقة المؤذية، فأنت في مشكلة حقيقية عميقة لو لم تأخذي خطوات جادة في مواجهتها فسوف تستفحل وتزداد ضراوة وتوحشًا...

 

مشكلتك -يا سيدتي- باختصار هي أهم مشكلة تواجه النساء في العصر الحديث، حيث تعانين من مشاعر الاغتراب الداخلية العميقة، فهناك أدوار متعددة ينبغي عليك القيام بها بكفاءة تجعلك في نهاية المطاف تشعرين كما لو كنت آلة مبرمجة على العمل على كل هذه الجبهات وليس مسموحًا لها حتى بالتقاط الأنفاس، والحقيقة أن الآلات بالفعل قد تحصل على بعض الراحة الضرورية حتى تستمر في أداء المهام لكنها لا تلتقط الأنفاس...

 

أنت كإنسانة تعيش هذا النمط من العيش الآلي، اغتربت عن إنسانيتك وعن فطرتك تدورين بقوة الآلة دون أي قدرة على التوقف والمراجعة وتصحيح المسار، وكما يتحكم في الآلة المبرمج خاصتها فقد لعب المجتمع نفس اللعبة، فهو يشعرك بالذنب والتقصير لو فكرت مجرد التفكير في نفسك، وكأن هذا التفكير جريمة خلقية، حيث توصمين بالأنانية، وأنك لا تقدرين الظروف أو الإهمال وعدم القدرة على تحمل المسئولية أو أيًّا من هذه الاتهامات الجاهزة المعلبة التي يضمن بها المجتمع السيطرة عليك.

 

 أختي الغالية، أنت المسئولة الأولى عن نفسك، هذه مسئولية فردية، وأنت المسئولة على الخضوع لضغط المجتمع، فلا يعني أننا نتعرض للضغط أن علينا الاستسلام والخضوع له {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}، وبالتالي أنا أدعوك للثورة والانتفاض على دور الضحية، وأدعوك للمبادرة في قيادة حياتك على النحو الذي يحقق لك سكينة النفس والذي تستشعرين فيه بكرامتك الإنسانية مصانة وتنسجمين فيه مع فطرتك.

 

كوني قوية

 

أختي الكريمة، لا بد أن يكون هناك إيمان حقيقي داخلك بأن لك حقوقًا عليك أن تأخذيها، وأن هذه الحقوق تتوازن مع الواجبات الملقاة على عاتقك، والإنسان إن لم يحصل على حقوقه فلن يستطيع القيام بواجباته، وإن قام بها فسوف يقوم بها بشكل مهترئ واهن.. لا أعني بهذا بالطبع ألا تمارسي واجباتك إلا بعد أن تحصلي على حقوقك، فالمسألة أكثر مرونة من هذا، وهذه الأمور تتم معالجتها بالرفق، ولكني أعني أن تخططي للحصول على حقوقك بنفس الدقة وبنفس درجة الأهمية التي تسعين فيها نحو ممارسة واجباتك.

 

لذلك أنت بحاجة أن تكوني قوية، لا ترهبك الأحكام المجتمعية عليك وأنت تسعين للحصول على حقوقك، وتذكري دائما هذا الحديث النبوي العظيم الذي يمثل ركيزة أساسية في حل مشكلتك (المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللَّهِ، ولَا تَعْجَزْ)؛ فكوني قوية واحرصي على ما ينفعك واستعيني على ذلك بالله عز وجل.

 

ما هي حقوقك؟

 

عزيزتي، كثيرة هي الحقوق التي لك في هذه الحياة، سواء داخل البيت أو خارجه، لكن أهم وأعلى هذه الحقوق هو حقك في نفسك ألا تكوني مستلبة في زحام الواجبات والضغوط وتستشعري الذنب عندما تحصلين على بعض الراحة، ولعل يوم عطلتك الأسبوعية تقضينه في تجهيزات الطعام أو التنظيف العميق للبيت...

 

هل تعلمين –عزيزتي- أنه في ظل الحضارة الإسلامية كان هناك يوم عطلة تحصل عليه الحيوانات فلا تحمل البضائع؟!! فكيف لإنسان أن يعيش دون أن يحصل على يوم عطلة.. العطلة الأسبوعية ليست رفاهية بحال من الأحوال.. أنت بحاجة لبعض الوقت مع نفسك.. بعض الوقت مع عائلتك (بعيدًا عن المهام).. بعض الوقت للترفيه وبالتأكيد بعض الوقت للتأمل.

 

عزيزتي، لك الحق في ساعة يوميًّا تكون خاصة بك تقضينها مرة واحدة أو مرتين.. تجلسين تذكرين الله وليكن قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها.. لا تفكرين فيها في أي واجبات أو مهام، وليست أذكارًا تقال بطريقة فائقة السرعة وأنت تطاردين المهام.

 

غاليتي، لك الحق أن تعملي عملاً يناسب قدراتك الجسدية والنفسية، فلست المسئولة عن النفقة ولست المسئولة عن رفاهية البيت.. نعم تساعدين ولكن بما تستطيعين.. إذا كانت التكليفات الإلهية لا تتم إلا في إطار القدرة والاستطاعة فكيف بالعمل المأجور..

 

أنت بحاجة لمراجعة جريئة لعملك، فإما أن تجعليه عملا جزئيًّا أو تبحثي عن عمل آخر له شروط آدمية، وإما أن تتم إعانتك بقوة من زوجك وأولادك في باقي المهام المستحقة (وفقًا لمنظمة العمل الدولية فلا يجوز أن تتجاوز ساعات العمل الفعلية أكثر من 8 ساعات يومية أو 48 ساعة أسبوعيا)؛ لذلك ينبغي ألا تعملي بصورة فعلية خارج البيت وداخله أكثر من 8 ساعات؛ لأنك بحاجة للنوم 8 ساعات أخرى وبحاجة إلى الـ8 ساعات المتبقية حتى تمارسي حياتك الاجتماعية ودورك التربوي وواجباتك كزوجة وتؤدي فيها صلاتك وتقرئي كتاب الله وتصلي رحمك وتمارسي فيها حياتك الطبيعية كبقية البشر.

 

بين اللوم والذنب

 

عزيزتي، لا تسمحي لأحد بلومك ولا تسمحي لنفسك أن تنغمسي في مشاعر الذنب واتخذي من حديث النبي ﷺ (فسدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا) مشعلاً يضيء الطريق لك، أنت اجلسي مع نفسك جلسة مصارحة ومكاشفة، وسجلي كل المهام التي تقومين بها، وانظري أي هذه المهام تصلح للتفويض سواء في العمل أو البيت فلا تترددي في تفويضها ودعك من وهْم الكمال، ثم قومي بترتيبها حسب الأولوية بحسب الوقت المتاح لك والذي لا يأتي على حساب راحتك الجسدية والنفسية، ثم اعتذري عن الباقي دون أدنى شعور بالذنب.

 

لديك ضغط عمل في الخارج، وراتبك يدخل في مصروفات البيت، لا يهتز لك جفن، وأنت تطلبين الطعام الجاهز أو تتناولون طعاما منزليا بسيطًا لا يحتاج إلى تحضير.. فإن عاتبك زوجك واتهمك بالتقصير وقارنك بفلانة الموظفة التي تعود من العمل وتقوم بإعداد الوجبات المعقدة.. ابتسمي له ولا تفقدي أعصابك وانظري لعينيه وقولي له مسكينة فلانة شمعة تحترق من أجل الآخرين، سيأتي يوم وتنفد الشمعة ولن يجد الآخرين ما يضيء لهم، واضحكي ولا تكثري من الجدل.

 

فإن كثر العتاب والنقد فاطلبي جلسة حوار.. لا تمني عليه بما تنفقينه في البيت، ولكن في الوقت ذاته لا بد من ذكر ذلك بطريقة لطيفة وحازمة في آن واحد، فأنتما الاثنان في سفينة واحدة كما يقال، إما أن تنجو بكما أو تغرقا أنتما الاثنان.

 

قولي له لكل شيء ثمن لا بد أن يُدفع، فإذا كان العمل أولوية فلا بد من التساهل في أمور البيت؛ لأن البديل هو التساهل في صحتي الجسدية والنفسية، وأنا لن أسمح بذلك، فإن كنت لا تخاف عليّ فأنا أخاف على نفسي لأن الله سبحانه وتعالى سيحاسبني يوم القيامة فردًا، أنا أريد أن أصلي باطمئنان.. أقرأ القرآن باطمئنان، ولأن الله سيحاسبني على جسدي وصحتي؛ لذلك لا بد أن أحصل على قدر كاف من النوم والراحة، وإلا فسيحاصرني هرمون التوتر وما يليه من أمراض.

 

تحدثي برفق وثقة، فإن استجاب أو حتى صمت فهذا جيد، وإن ظل يلوم عليك فقولي له إذًا سأحصل على إجازة من العمل ما رأيك؟ المهم أن تكون صحتك الجسدية والنفسية أولوية بالنسبة لك، وثقي أن هذا سينتقل للآخرين.. سيحترم أطفالك أنك بحاجة لبعض الراحة بعد العودة من العمل وسيتركون لك وقتك الخاص.

 

لست بحاجة أن أقول لك إنك بحاجة لوضع جدول عملي وقائمة مهام واقعية وإدارة جيدة للوقت وللحياة حتى تستثمري كل لحظة في حياتك بشكل صحي، وإن أردت فاكتبي لنا بعض التفصيلات الحياتية، وإن شاء الله نساعدك في وضع جدول ملائم.. اقرئي أيضًا هذه الاستشارة: منهكة مضغوطة وضميري لا يرحمني.. وفقك الله تعالى ورزقك التوفيق في كل أمور ومنحك السكينة وراحة البال.

الرابط المختصر :