الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : الدعوة في المهجر
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
20 - رقم الاستشارة : 3049
23/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: فضيلة الشيخ، أعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد منَّ الله عليَّ أن أكون حريصًا على الدعوة، وخاصة أنني أجد في المجتمع الأمريكي كثيرًا من النساء غير المسلمات لديهن استعداد للاستماع والبحث عن الحقيقة.
المشكلة أن طبيعة الدعوة هنا -وخاصة الدعوة الفردية- تتطلب أحياناً تواصلًا ومحادثات مطولة مع هؤلاء النسوة، سواء كن طالبات هداية أو ممن أسلمن حديثاً ويحتجن إلى تعليم. وأنا أخشى على نفسي من الفتنة، فإيماني ليس صخرة صمّاء.
أنا متزوج ولدي زوجة صالحة وأبناء في بلدي الأصلي، ولكن لا يمكنني إحضارهم الآن. فكرت جديًا في الزواج من مسلمة هنا في أمريكا، وأن تكون زوجة ثانية لي، لسببين:
الأول: أن تكون حصنًا لي وعونًا على غض البصر والتحصين الشرعي، وخاصة أنني أريد تكريس جهدي للدعوة.
الثاني: أن تكون هي معيناً لي في الدعوة النسائية، إذ قد يتعذر عليّ التنسيق مع داعيات أخريات أحيانًا.
لكنني بين نارين: نار الخوف على نفسي من الفتنة والتقصير في الدعوة، ونار إدخال زوجة ثانية قد يُحدث قلقاً أو فتنة في بيتي الأول، كما أنني لست ضامناً أن أعدل بين البيتين وأنا بعيد. فهل هذا التفكير سليم؟ وما هي الضوابط الشرعية التي تحفظني في دعوتي للنساء دون الحاجة إلى التعدد الآن؟ جزاكم الله خيراً
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بك أيها الأخ الكريم، وأحيي فيك همّتك العالية في الدعوة وغيرتك على دينك وحرصك على تحصين نفسك من الفتنة، وجمعك بين الرغبة في الخير والخوف من الوقوع في المحظور. هذا التفكير الواعي هو من سمات الداعية المتبصر.
إن فكرة الزواج بنية التحصين والدعم الدعوي هي فكرة مشروعة في الأصل؛ فالزواج وسيلة عظيمة للعفاف، ولكنه لا يُعدّ الوسيلة الوحيدة للدعوة، خاصة في ظل وجود زوجة وأبناء في بلدك الأصلي، فهنا يجب أن نُراعي فقه الأولويات وضوابط الدعوة.
التأصيل الشرعي والمنهجي للتحصين والدعوة
1) الزواج ليس هو الحصن الوحيد: إن أعظم حصن للمؤمن هو تقوى الله تعالى والاستعانة به، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}، والاستعفاف بالصوم وغض البصـر وتجديد التوبة والدعاء أقوى من أي زواج إن لم تكن التقوى حاضرة.
2) ضوابط الدعوة النسائية هي المخرج: الأصل أن يتولى الرجال دعوة الرجال، والنساء دعوة النساء، قطعًا لأبواب الفتنة. وإذا اضطررت لدعوة النساء غير المسلمات، فيجب الالتزام الصارم بالضوابط الشرعية التي تُزيل عنك وعنهن الحرج والريبة:
* عدم الخلوة: لا يجوز لك الانفراد بامرأة أجنبية سواء في لقاء مباشر أو عبر الاتصالات الخاصة التي تغيب عنها العين الثالثة. قال النبي ﷺ: "لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلَّا كانَ ثالثَهُما الشَّيطانُ" (رواه الترمذي).
* الحاجة وضبط الكلام: يجب أن يكون الكلام مقتصرًا على قدر الحاجة الدعوية، دون تكلّف أو تلطيف أو توسع في أحاديث لا علاقة لها بالهداية.
* الوجود الجماعي: اجعل تواصلك مع النساء دائمًا في إطار جماعي ما أمكن (في مركز إسلامي، أو بحضور زوجتك أو مسلمة ثقة، أو عبر مجموعة على الإنترنت).
فكرة التعدد (موازنة المصالح والمفاسد)
إن الزواج الثاني هو حل شرعي للتحصين، ولكن يجب أن نزن ذلك بميزان الشرع والواقع:
1) العدل في النفقة والقسم: قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةٌ} (النساء: 3). شرط الزواج الثاني هو العدل، وغيابك الطويل عن زوجتك الأولى وأبنائك يضعف مقدرتك على العدل في القسم والمبيت، وقد يُورث ضررًا نفسيًّا وعاطفيًّا لزوجتك الأولى لا يُعوَّض، وهذا يُخالف مقاصد الشـريعة. فالضـرر الأكبر الذي يقع على الزوجة الأولى هو إثم عظيم يجب تجنبه.
2) تأثير الدعوة على الأسرة: قد يؤدي الزواج الثاني وأنت في الغربة إلى فتنة وشرخ في عائلتك الأولى (التي هي أولى بالرعاية والصيانة)، وصدع في أسرة الزوجة الثانية. وإذا فسد بيت الداعية، كانت دعوته ناقصة التأثير.
خطوات عملية مقترحة
1) استعن بالداعية المتخصصة (المرأة تدعو المرأة): ابحث جاهدًا عن داعية مسلمة ثقة (زوجة داعية آخر، أو أخت صالحة) تتولى هي مهمة التواصل المباشر والمتابعة للنساء السائلات والحديثات العهد بالإسلام. أنت تبذل جهدك في توجيه الدعوة العامة، وهي تتولى الجانب التفصيلي النسائي. هذا هو المنهج الأسلم.
2) استغل التكنولوجيا الآمنة: استخدم وسائل التواصل الجماعية التي تظهر فيها أكثر من شخص، أو ابقِ على تواصلك مقتصرًا على رسائل عامة أو منشورات دعوية. لا تترك مجالاً للدردشة الخاصة غير الضرورية.
3) عجِّل بجمع شملك الأسري: فابذل جهدك في إحضار زوجتك وأبنائك للعيش معك في أمريكا، فوجودهم هو التحصين الشرعي الكافي، وهو العون الحقيقي لك في الدعوة، حيث يُقدِّم بيتك نموذجًا عمليًّا للإسلام.
ونصيحتي لك أيها الداعية المخلص هي أن تجعل حفظ دينك وغض بصرك وحماية أسرتك الأولى أولوية مُقدّمة على توسيع نطاق دعوتك الفردية للنساء. كن حكيمًا، لا تفتح باب فتنة خشية الوقوع فيها، بل أغلق الباب جذريًّا بالاستعانة بالنساء الداعيات. تذكر أن درء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح.
وأسأل الله أن يحفظ عليك دينك وذريتك وزوجك، وأن يُحصِّن فرجك، وأن يرزقك الحكمة في اختيار أنجح الوسائل الدعوية وأسلمها، وأن يجعل عملك خالصًا لوجهه الكريم.
روابط ذات صلة:
بين رغبتي في التعدد وخوفي على بيتي وأبنائي!!!