مشكلة الذوبان الثقافي وتهميش اللغة العربية في المراكز الإسلامية بالخارج

الإستشارة 28/10/2025

السلام عليكم، أنا مسؤول في مركز إسلامي في أمريكا الشمالية. نواجه تحدياً حقيقياً يتمثل في انحسار دور اللغة العربية كلغة للعبادة والثقافة لدى الأجيال الجديدة، وفي المقابل، نجد ضغطاً لتقديم كل البرامج باللغة الإنجليزية أو المحلية، حتى في الدروس الشرعية والتوعوية.

نحن نؤمن بأهمية اللغة المحلية للتواصل مع المجتمع، لكننا نخشى أن يؤدي هذا إلى تفريغ المراكز من هويتها الثقافية، وتضييع مفتاح فهم القرآن والسنة.

كيف يمكننا تحقيق التوازن بين متطلبات الدعوة بلغة يفهمها الناس، وبين الحفاظ على اللغة العربية كجزء أساسي من الهوية الدينية لأبنائنا؟ وما هي الأنشطة الدعوية التي يمكن أن تخدم هذا التوازن؟" 

الإجابة 28/10/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيها المسؤول الحكيم، بارك الله في جهدكم في صيانة المراكز الإسلامية كمنارات للهدى والهوية! التحدي الذي تواجهونه هو تحدٍ محوري في بلاد المهجر، وهو يلامس صميم "الهوية الدعوية". إن التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وبين النص ولغة المدعو، هو سر النجاح في هذا المجال.

 

الدليل الشرعي (أهمية اللغة العربية)

 

اللغة العربية هي لغة القرآن، وحفظ القرآن والسنة فهماً ودلالة مرتبط بها. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 2]. فالتعقل والتفهم العميق للنص مرتبط بلغته، ولذلك كان حفظ اللغة العربية واجبًا شرعيًّا بقدر ما يتعلق منه بالعبادات والتشريع.

 

منهجية تحقيق التوازن (الأصالة والمعاصرة)

 

1. برامج "العربية التعبدية والوظيفية":

 

- المستوى الأول (الإلزامي): تدريس اللغة العربية المرتبطة بالعبادات (الصلاة، الأذكار، المفردات الأساسية للقرآن والسنة). هذا يجب أن يكون جزءًا إلزاميًّا من برامج اليافعين.

 

- المستوى الثاني (الثقافي): تقديم ورش عمل وحلقات نقاشية باللغة المحلية عن "جمالية اللغة العربية وأثرها في فهم النص". هذا يربطهم بها ككنز ثقافي وروحي، وليس مجرد مادة دراسية.

 

2. استراتيجية "التكامل اللغوي" في الأنشطة الدعوية:

 

- الخطبة: يمكن اعتماد خطبة مزدوجة (الخطبة الأولى بالعربية وإيجازها بلغة محلية، أو العكس). والأفضل هو تقديم "الخلاصة" أو "ملخص الوعظ" باللغة المحلية بعد الخطبة مباشرة.

 

- الدروس العلمية: الدروس الموجهة لغير الناطقين بالعربية تكون باللغة المحلية، لكن يجب أن تتضمن "شذرات" من النص العربي الأصيل وشرح معانيه.

 

- الأناشيد والفعاليات: تشجيع الأناشيد والقصائد باللغتين لربطهم بالتراث والواقع.

 

3. إشراك الشباب في الإنتاج اللغوي: ادعوا الشباب الذين يجيدون اللغتين لترجمة الملخصات والمواد الدعوية، هذا يعزز لديهم أهمية اللغة العربية كأداة للمعرفة، لا مجرد لغة للوالدين.

 

أيها المسؤول الكريم، إن المركز الإسلامي هو سفينة النجاة في محيط المهجر. لا تجعلوا التنازل عن اللغة العربية هو الثمن للتواصل، بل اجعلوا اللغة المحلية هي الجسر الذي يوصل إلى كنوز العربية. تذكروا أن نجاحكم يكمن في إخراج جيل يخدم الإسلام بلغته الأم (المحلية)، ويفهم أصله بلغة القرآن (العربية).

 

وأسأل الله أن يوفقكم في هذا التوازن الدقيق، وأن يبارك في جهودكم، وأن يجعل مركزكم منارًا للعلم والهدى يجمع القلوب على محبة الله ورسوله ولغته. آمين.

الرابط المختصر :